آخر الأخبار

الــــعــبـــاســــيــــة

إدريس بوطور 

نسمع ونتداول بين الفينة والأخرى في حياتنا الإجتماعية كلمة “العباسية ” ونعني بها مظهرا من مظاهر التبرع والسخاء والكرم الذي يصاحب تدشين مقهى أو متجر أو الانتهاء من بناء مشروع تجاري أو معماري عام أو خاص ، وذلك بتوزيع المأكولات أو الحلويات أو بعض منتوجات المتجر ومبيعاته مجانا في اليوم الأول للإفتتاح طلبا للبركة والربح في المسعى المستقبلي للمشروع  وترجع أصول تسمية هذا السلوك ب ” العباسية ” إلى إسم أحد أقطاب التصوف في المغرب وأحد رجال مراكش السبعة أبي العباس السبتي المعروف بسيدي بلعباس والذي عاش خلال القرن الثاني عشر الميلادي ( السادس الهجري ) في عهد ازدهار الدولة الموحدية وخلافة يعقوب المنصور ** هذا الإمام الصوفي ولد في سبتة وعندما بلغ ريعان شبابه خرج منها لطلب العلم قاصدا فاس ثم مراكش التي استقر بها وعاش فيها ستين سنة إلى وفاته ، وقد ارتكز مذهب ابي العباس السبتي التصوفي على التصدق والبذل والعطاء حيث اعتبر أن أصل الخير في الدنيا والآخرة هو الإحسان وأصل الشر هو الشح والبخل ، وعلى أساس هذه المبادئ كان يتجول بطرقات مراكش ودروبها واسواقها لتحفيز الناس على التصدق والإحسان لمساعدة المحتاجين حيث اكتسب صيتا وشهرة روحية ووقارا وتقديسا من طرف السكان لغزارة علمه ونفاذ كلامه إلى القلوب ، كما أنه حظي بمباركة وتشجيع الخليفة الموحدي يعقوب المنصور مما زاد من علو كعبه الديني والروحي وانتشار مذهبه في سائر ربوع المغرب وحتى الأندلس ** وعندما تكون لأبي العباس رصيد هام من الصدقات والتبرعات كون لجنة من مريديه وأتباعه لتدبير هذا الرصيد ، فتم بناء مخزن ومطعم ومأوى بجانب المسجد الذي كان يؤم به الشيخ ويلقي دروسه ، وذلك لتوفير المأكل والمأوى للفقراء وذوي العاهات الذين لا يستطيعون السعي لكسب قوتهم وخاصة المكفوفين ** هذا السلوك الأخلاقي للإمام ابي العباس كان له الأثر الطيب لدى السكان الذين تشبعوا بروح الإحسان والتصدق العفوي التلقائي فتجد صاحب الوليمة سواء كانت عرسا أو عزاء أو عقيقة أو وكيرة قبل أن يأكل الضيوف يرسل حق الفقراء والمحتاجين وذوي العاهات إلى مقر ابي العباس ( الوكيرة تعني الطعام الذي يقدمه صاحب المنزل للناس عندما ينتهي من بنائه ) كما أن الجزارين في الأسواق والباعة كل حسب حرفته لا ينطلق في عمله وكسب رزقه دون عزل حق الفقراء وإرساله إلى مقر ابي العباس ”  هذا السلوك الأخلاقي الإنساني الذي تشبع به الناس بفضل حبهم للإمام ابي العباس وتعاليمه ساهم في تحسين أحوال الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة وذلك في مأكلهم وملبسهم واستشفائهم حتى أن مراكش في عهده لم يعد بها من يستجدي ويمد يده للناس ”  هذا هو أصل كلمة “العباسية ” التي أصبحت اليوم محصورة في إطار مناسباتي ضيق ولم تعد تؤدي ما كانت منوطة به في عهد الإمام سيدي بلعباس الذي ترجع أصول تسميتها إليه .