إدريس بوطور
( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ، ربنا وتقبل دعاء ، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمومنين يوم يقوم الحساب ) سورة إبراهيم 42/43
القرآن قراءة وتدبر وتأمل ، ومحاولة سبر أعماق المكنون ابتغاء كشف المستور من روائع البيان وجميل البرهان . وكل كلمة في القرآن أكانت حرفا أم إسما أم فعلا ليست كلمة عادية كباقي الكلمات ، وبالتالي فإن كل تركيب لغوي قرآني ليس سهل التناول بل يحتاج إلى التدبر العميق لاستبطان جوهره وفهم بيانه ** هذه الآية الكريمة هي دعاء لإبراهيم الخليل عليه السلام ، قد تظهر بعد قراءتها كلاما عاديا ، لكن تدبرها العميق يحيلنا على صورة بيانية بليغة . ففي هذا الدعاء استشراف مستقبلي لما سيأتي من الزمان حيث سيتكاثر عدد المومنين ، فهو -أي الدعاء- تدرج منطقي في إطار متوالية محكمة المعطيات. ففي البداية كان صاحب الدعاء يبتهل بصفته فردا ، عندما قال “رب” كي يبارك الله له في استمرار إقامة الصلاة ، ثم اضاف في نفس الشطر بعضا من ذريته ذوي القربى الذين يعلم انهم مقصرون في عبادتهم لينتقل إلى الشطر الثاني من الدعاء الذي لم يعد بالصفة الفردية السالفة بل بصيغة الجمع “ربنا ” ، فالمجال سيتسع والنطاق سيصبح أكثر شمولية لصاحب الدعاء ووالديه ومن سيأتي عبر الزمن من المومنين المعتنقين لملة ابراهيم ** فالشطر الثاني من الابتهال سيصبح دعاء جماعيا صالحا ومستمرا في كل زمان ، ما كان وما يكون وما سيكون إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ** تلك كانت ومضة بسيطة من بيان القرآن ، لم اعتمد فيها على مرجع معين بل كانت اجتهادا قدر المستطاع نابعا عن إيماني القوي عقلا وقلبا بكتاب الله العزيز وما انطوى عليه من درر غالية /