محمد نجيب كومينة
َكنت قد كتبت من قبل في هذا الفضاء الازرق ان النظام الجزائري “جاب الربحة”، وانه وعى اخيرا انه فشل فشلا ذريعا في مسعاه لفصل الاقاليم الجنوبية عن مغربها، وفشل بالنتيجة في عزل المغرب عن عمقه الافريقي وفي الحيلولة دون تعزيز موقعه كحلقة وصل بين اوروبا وافريقيا وكممر اساسي، وضروري في حالات كثيرة، للولوج الى الاسواق الافريقية، وبالاخص منها حاليا تلك الواقعة في غرب ووسط القارة السمراء، وذلك بعد ان عاش نظام “دوزيام حلوف فرنسا” على وهم وراثة الادوار التي كان الاستعمار الفرنسي يهيئ لها “الجزائر الفرنسية” بفرض الهيمنة على جزء واسع من القارة الافريقية، بداية بمنطقة المغرب العربي التي فصلها ذلك الاستعمار على مقاس مصالحه الاستعمارية و استراتيجيته وحساباته الجيوسياسية واقتطع من كل بلدان جوار الجزائر اجزاء ضمها لمستعمرته السابقة و فرض حدودا تعزل المغرب على الخصوص.
ذلك ان نظام “دوزيام حلوف فرنسا” جن جنونه مند نجاح المسيرة الخضراء المظفرة في دفع اسبانيا، الغارقة في ازمة انتقال داخلي وقتئذ، الى الرحيل عن اقاليمنا الجنوبية التي بدات استعمارها في القرن التاسع عشر واكملت سيطرتها عليها في ثلاثينات القرن العشرين، اذ شعر نظام الحلوف ان الحاجز الاسباني بين المغرب و موريتانيا سقط، وان ارث “الجزائر الفرنسية” تعرض لهزة بحجم زلزال بدرجة 10 على سلم ريشتر الجيوسياسي، وان منعطفا تاريخيا قد حدث ومن شانه ان يعيد ترتيب الامور في الشمال والغرب الافريقي، بمراعاة ان الاستعمار لم يستطع، رغم كل التغيرات التي حدثت في المنطقة، ان يمحو التاريخ او ان ينهي الروابط والعلاقات الانسانية والثقافية والروحية التي ترسخت بين المغرب ومحيطه الجهوي، و هذا ما جعل النظام الجزائري يقفز وقتئذ على البوليساريو، مدعوما من طرف القدافي المصاب بالعمى الاخضر، و يحولها الى اداة ليس لفصل الاقاليم الجنوبية المسترجعة عن مغربها، بل وايضا واساسا لتحويل الصحراء المغربية كما قال بومدين “حصى” في حداء المغرب تمنعه من السير بوتيرة تجعله يتقدم و يبني توازنات اقليمية لصالحه مستفيدا من الاقاليم التي استرجعها ومن انفتاح الطرق الرابطة بافريقيا، وكان يعول على عائدات البترول بعد ارتفاع سعر برميل البترول من 3 دولارات الى 17 دولارا بعد الصدمة البترولية الاولى سنة 1973 للتسلح وتسليح وتسخير المرتزقة، وفاته وهو يحسب بغباء منقطع النظير ان ينتبه الى ان معركة استكمال وتعزيز الوحدة الترابية التي انطلقت بالمسيرة الخضراء التاريخية لا تكمن اهميتها الاستراتيجية والتاريخية في استرجاع جزء من الوطن كان يرزح تحت استعمار متخلف، كان بدوره يتهيا لتمرير مشروع انفصالي و لضرب الاقتصاد المغربي في مقتل بر فع صادرات فوسفاط بوكراع الى سبعة اضعاف كما كشفت عن ذلك كابلات وكليكس، لا تكمن اهميتها في ذلك وحسب، بل وايضا في كونها شكلت انطلاقة ميثاق وطني جديد يتجاوز المشاكل الداخلية التي قامت في ستينات وبداية سبعينات القرن الماضي و يوحد المغاربة حول هذه المعركة و يفتح الباب لانتقال سياسي ينفتح على انتقال ديمقراطي. و رغم ان المعركة كانت عسكريا وديبلوماسيا كبيرة وخطيرة، ورغم ان المغرب واجه مشاكل اقتصادية عويصة و حدثت هزات داخلية نتيجة لذلك في ثمانينات القرن الماضي، فان ذلك لم يؤد الى اي اهتزاز لذلك الميثاق الوطني كما لم يؤد، وهذا هام جدا، الى عسكرة البلاد بينما اتجه النظام الجزائري بغباء لا مثيل له الى تقوية طابعه العسكري وسخر كل امكانياته لمناهضة حقوق المغرب ومحاولة اضعافه، وهو ما تفاقم بعد الانقلاب على بنجديد و خلال العشرية السوداء التي اظهرت بشكل كامل ان الانقسام في الجزائر اضخم من يتم حله بالعداء للمغرب او غيره، فما يقوم على باطل فهو باطل. و اذا كان الميثاق الوطني المغربي قد تقوى على مدى العقود الاخيرة وبات المجتمع برمته يتملكه، خصوصا وان المغرب اتبع النهج الواجب لتحقيق مكاسب سواء على مستوى القدرات لصد اي عدوان و هزمه او على المستوى الديبلوماسي والسياسي او على مستوى تنمية الاقاليم الجنوبية، فان ماسجل هو ان الجزائر لم تستطع الخروج من مخلفات انقلاب صيف 1962 ضد القيادات الوطنية الجزائرية الممثلة في الحكومة المؤقتة، الذي كان قد ادخلها في بداية حرب اهلية وانقسام مناطقي، وبالاخص من مخلفات العشرية السوداء الذي قتل خلالها من الجزائريين اكثر مما قتل الاستعمار خلال حرب التحرير، ولذلك، فهي تعيش حالة تيه حقيقية، و ما يزيد من تيهها هو ان النظام الجزائري الفاشل فقد القدرة على الاحتفاظ على مرجعية واو هام “الجزائر الفرنسية”، ووجد ان المغرب يتجه نحو خلق وضع اقليمي جديد بعد تحقيقه لمكاسب متعددة خلال العشرين سنة الاخيرة، ليس فقط على مستوى تغيير موازين القوى العسكرية والديبلوماسية والسياسية، بل وايضا على مستوى الاقتصاد والتنمية، بحيث يعيش النظام الجزائري حالة رعب من فرض المغرب ريادته الاقليمية ومن تدهور الوضع الاقليمي للجزائر التي اشترت عشرات ملايير الدولارات من الاسلحة، التي لا تستطيع استعمالها في كل الاحوال، و غرقت في مستنقع بوليزاريو الذي تتضخم كلفته، وبقيت بلا تنمية وبلا قدرة على توفير الحاجيات الاساسية والحيوية لساكنة غير كبيرة مقارنة بالمساحة و الثروات المستغلة وغير المستغلة.
من الواضح مما سبق ان النظام الجزائري يوجد اليوم في مازق داخلي ناتج عن فشل تنموي يستفز العقل السليم، و ما يجعل الشعور العام بهذا المازق هو المقارنة مع ما حققه المغرب بدون بترول او غاز رغم انه ليس بالكثير بالنسبة لنا ولا يرضينا، ومع دول اخرى ذات موارد بترولية او غازية، و من المؤكد ان الدعاية الحمقاء لن تستطيع ان تزيل هذا الشعور، حتى وان انطلت على بعض ذوي الوعي القاصر والحمقى الذين يساقون كما تساق الانعام، و يوجد النظام في مازق على المستوى القاري والعربي والدولي، ليس فقط لان المغرب استطاع ان يبني تحالفات مؤثرة ويوسع دائرة المساندين لحقوقه الوطنية ووحدة ترابه، بل وايضا لان سمعة هذا النظام ساءت و صار ينظر اليه كمثال للفشل الاقتصادي والسياسي و للتسلط و ضرب الحريات الاساسية، وصارت دائرة اصدقائه تتقلص بسبب اختياراته وتصرفاته وبسبب تراجع دور الرشاوي وشراء الدمم، و يوجد في مازق كذلك، ولهذا الامر علاقة بما بني على باطل مند الانقلاب على الحكومة الجزائرية المؤقتة، لانه يتبين ان الجزائر لم تستطع لحد الان بناء دولة حقيقية وقوية بمؤسساتها، و ماحدث اثناء فترة مرض بوتفليقة وقبله خلال العشرية السوداء يجد امتدادا له اليوم مع رئيس انتخب بشكل سئ لتجاوز الفراغ وبقي رهينة لجنيرال مجنون لا يفلت فرصة ليؤكد للجميع انه رئيس النظام العسكري الحاكم فعليا، و الواضح ان هذا النظام العسكري اكثر شعورا بالفشل الذي تتردى فيه الجزائر، و اكثر احساسا بمخاطر هذا الفشل، الذي يشمل الفشل المطلق امام مغرب يتقدم على طريق حسم الاعتراف الدولي بوحدة ترابه الوطني وانهاء وهم الانفصال، لذلك، لا. عجب ان نسمع تبون ينطق بما قيل له او ما يرضي الجنيرال المجنون عندما قال بان النظام الجزائري مستعد لاداء اي ثمن لمناهضة حقوق المغرب، مع استدراك دال جدا، حيث قال بان سكان مخيمات حمادة تندوف لن يكونوا جزائريين ابدا، و سواء كان ذلك القول مقصودا او فلتة لسان من فلتات رجل “يهترف” كثيرا، فانه يشير الى شعور بان النظام الجزائري يشعر اليوم انه “ربح” سكان هذه المخيمات من الصحراويين وغير الصحراويين، وان هذه “الربحة” تنطوي على اخطار كبيرة، ومن المثير ان كلام تبون هذا جاء في وقت تمت فيه اعادة تعيين ابراهيم غالي على راس دولة هذه المخيمات الواقعة في تراب تابع حاليا للدولة الجزائرية. انه كلام خائف رغم استظهار العجرفة و الايحاء بالحرب، التي راج ان رئيس المخابرات الجزائرية بدا يهيئ لها في اجتماع خصص للمغرب.ز