نص الكلمة التي ألقاها المناضل عبد الحميد لبيلتة في الذكرى الستين 60 لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقاعة علال الفاسي بالرباط .
” نلتئم اليوم للاحتفاء بالذكرى الستينية على تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، هذا الإطار العتيد الذي جسد منذ تأسيسه انتظارات وطموحات القوات الشعبية. وهي مناسبة كذلك لتقييم عملنا السياسي وأداتنا التنظيمية. إن هذه الذكرى الستون نعتبرها نقطة تحول متجددة ونحن نحضر لمؤتمرنا الوطني الخامس، في ظل سياق سياسي جد معقد وطنيا وإقليميا ودوليا. مما يستدعي منا جميعا كمناضلات ومناضلين وأجهزة وطنية وإقليمية وجهوية ولجنة تحضيرية إعمال قراءة نقدية علمية وسياسية من أجل التعاطي الايجابي والاقتراحي مع دقة هذه اللحظة التاريخية للتأكيد على توجهاتنا واختياراتنا السياسية المرحلية والاستراتيجية للحزب في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. هذه القراءة تفرض علينا بشكل دقيق وواضح استعادة النقاش السياسي النقدي المتجه والمرتكز على الاطر المرجعية الفكرية والسياسية الحاملة لرسالة وأهداف الحزب القائمة على الديمقراطية والتقدمية والاشتراكية كأفق لبناء دولة ومجتمع المواطنة، مواطنة تقوم في أبعادها السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية على الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لجعل مستقبل المغرب وتقدمه بين أيدي المغاربة وليس مرتهنا للتوجهات التفقيرية للمؤسسات المالية الدولية ولايغارشية محلية تقتات من الريع والفساد.
فالفكرة الاتحاية الأصيلة والمتؤصلة في وجدان القوات الشعبية ترتكز في مشروعنا المجتمعي منذ تأسيس الاتحاد سنة 1959، والتي قامت على نهج بناء صرح الدولة الوطنية الديمقراطية كإطار للتعبئة المجتمعية لمناهضة فلول الاستعمار والاقطاع واستكمال مداخل وشروط الاستقلال الحقيقي. إن طرح الاتحاد الوطني لقضية الديمقراطية منذ البدايات الأولى للاستقلال. وما يزال هذا الطرح هو عصب الصراع السياسي بين دعاة التقليد والمحافظة ودعاة الحداثة السياسية. فتعاطي الدولة مع قضية الديمقراطية في العديد من تفاصيلها،ومن خلال واقع الممارسة السياسية منذ الاستقلال إلى الأن مازال مطلبا ذي راهنية مركزية، واختيارا استراتيجيا كمدخل للتنمية الشاملة، وبناء دولة المؤسسات والقانون وفصل السلط. فبهذه المحددات والقواعد في ارساء الديمقراطية الحقيقية كمبادىء وقواعد كما هي متعارف عليها دوليا، تتطلب إرادة حقيقية بعيدا عن الشعارات الديماغوجية التي تم استهلاكها منذ عقود، تارة باسم الخصوصية وأخرى باسم الهشاشة والأمية أو التدرج في الانتقال نحو الديمقراطية.وهذا التبرير الشعاراتي الديماغوجي قد انطلى، للاسف، حتى على بعض “الفاعلين” السياسيين في أحزاب تحمل الديمقراطية كشعار.
لذلك وضمن نقاشاتنا التحضيرية للمؤتمر الوطني لابد من حسم كل الالتباسات التي تعيق البناء الديمقراطي وتشل في المهد توطين الوعي الديمقراطي. سواء بالنسبة لطبيعة الدولة أو المجتمع. حيث مسارات المسلسل الانتخابي وليس الديمقراطي، قد أدخلت الأحزاب السياسية الوطنية والديمقراطية في أزمة بنيوية، حيث أن طبيعة النظام السياسي لا تسمح بالتداول على السلطة بقدرما تتشكل الحكومات بعد كل مسلسل انتخابي كواجهة لتصريف سياسات النظام السياسي، وليس على قاعدة اختيارات التنافس الانتخابي وافرازات الشرعية الشعبية المتاحة عبر صناديق الاقتراع .
وفي هذا السياق فلجنتنا التحضيرية للمؤتمر الوطني الخامس مطالبة بوضع رؤية سياسية متجددة، ستمكننا من إطلاق دينامية سياسية جديدة نعبر فيها للرأي العام الحزبي وللرأي العام بصفة عامة عن إرادة مجتمعية طموحة ومواطنة للتغيير. إنه أفق وطني وديمقراطي واشتراكي، سيساهم في عملية تخليق الحياة السياسية والحزبية ورد الاعتبار للمعنى الحقيقي للسياسة. هذه الرؤية المتجددة في تطوير وحضور العمل السياسي الحزبي، بما يقتضي من الصبر والاستعداد والإرادة الصادقة المواطنة، والانصات الذكي لهموم وقضايا المجتمع. مما سيعيد لا محالة الثقة للجماهير في المؤسسات السياسية.
لذلك فإن الفكرة والمشروع الاتحاديين ما تزال نفسا سياسيا ديمقراطيا متجددا في الهنا والان، وقيمة مضافة إلى جانب القوى السياسية الوطنية و الديمقراطية و اليسارية. لأننا في هذه المحطة التاريخية من حياة حزبنا مؤمنون بإعطاء مضمون تشاركي جديد للسياسة وللعمل الحزبي واستقلالية قراره، وبالعمل على توفير شروط ملائمة وإيجابية كمداخل لحلول خلاقة ومبدعة لإشكالية إعادة بناء أداة حزبية و سياسية مستعدة للحوار والتنسيق والتكامل والتعاون مع قوى اليسار في أفق جبهة يسارية اشتراكية وديمقراطية. ولتحقيق رؤيتنا الحزبية هاته لابد من الإنفتاح على الشباب والنخب المثقفة، وتقوية أسس الحوار مع كل مكونات المجتمع العاملة على تجسيد المشروع الديمقراطي و الحداثي والاشتراكي.
كما يندرج تحضير مؤتمرنا الوطني ضمن عملية تعميق الديمقراطية الداخلية من خلال بناء آليات شفافة وديمقراطية لحكامة حزبية حقيقية، والسعي نحو أفق استعادة المبادرة كحزب يساري قوي ومنفتح ومتجذر في صفوف القوات الشعبية. هذه الدينامية التنظيمية في التحضير ضمن إطار التجديد والتماسك والتضامن وتعزيز الأخلاق في السياسة، واستحضار الأفق الجهوي التنظيمي كنواة صلبة في استدماج وتحديد المعالم الاستراتيجية للبرنامج الوطني في بعده السياسي و الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي. بما يسمح من الدفع وتدعيم العمل الجهوي التشاركي والتشاوري لتحقيق توجه جديد في عقلنة الممارسة الحزبية وإعادة التوازن داخل علاقات الحزب التنظيمية الأفقية والعمودية.
بهذه المنهجية في التحضير سنوفر لحزبنا في المستقبل القريب أليات متنوعة لرصد وتحليل المعطيات والمتطلبات الجهوية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لبناء أرضيتنا البرنامجية الوطنية القائمة على التحليل الملموس للواقع الملموس. والعمل على استثمار وتحويل الطاقات الخلاقة داخل المجتمع و خصوصا في صفوف الشباب والنساء لتجاوز حالة العزوف السياسي والقلق النفسي والاحتقان الاجتماعي، والعمل كذلك على وضع استراتيجية تواصلية ناجعة ومبدعة بآليات قادرة وقابلة للانفتاح على المجتمع، واستعادة الانخراط القوي للفعل الثقافي والفكري للمثقفين وكل القوى الحاملة للمشروع الحداثي و الديمقراطي.
إن هذه الفرصة التي نعمل في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية على تجسيدها ميدانيا بالنقاش والحوار حول مشروع حزبنا المجتمعي الاشتراكي الديمقراطي. وبالعمل على تطويره بالانفتاح والتوجه إلى مجموع المواطنين والمواطنات رجال ونساء وشبابا، باعتبار مشروعنا المجتمعي يجسد ويواصل ترسيخ الفكرة الاتحادية الأصيلة. هذه الفرصة المتاحة اليوم للاتحاد الوطني كصيروة في العم الحزبي الوطني، نعتبرها دينامية سياسية ستعمل على الاستثمار والتثمين للأطر والطاقات المواطنة النزيهة المؤمنة بتدعيم أخلاقيات العمل السياسي النبيل، وتحقيق مجتمع الديمقراطية و المساواة وتكافؤ الفرص. ودعم الحركات الاجتماعية المدنية باعتيارها قوة اجتماعية فاعلة وضاغطة ضمن إطار إعادة صياغة تعاقدات ديمقراطية سياسيا واجتماعيا ، وبطبيعة الحال مع الاستفادة من الرصيد والتراكم النضالي لشهداء وأطر الاتحاد، والتنسيق في ذلك مع القوى الحية الديمقراطية في مجتمعنا.
عبد الحميد لبيلتة.