آخر الأخبار

الفن يرقى بالذوق  و لا يفسده و الدليل ! بودشار نموذجا 

إدريس الأندلسي

ظهرت موجات  في مجال التعبير الفني الموسيقي و لم  تعمر طويلا،  فخفت ” اشعاعها ” و ذابت في بحر النسيان. و لم يظل ساكنا في وجدان  و عقول البشر  إلا ذلك الفن الذي بني على أسس العلم  و المعرفة  و الإبداع  و الجمال. لا زالت إبداعات الموسيقى الكلاسيكية تجلب الآلاف للحفلات رغم مضي قرون على تأليفها . بتهوفن  و موزارت  و ستراوش  و كارل اولف  و بيزيت و  فيردي  و برليوز و اللائحة طويلة   مؤشر على أن الإبداع  الحقيقي هو الذي يرفع درجة الوعي بالجمال. حين أشاهد حفلات أوركسترا ” أندري ريو”،  و التي تستقطب الآلاف من العاشقين للفن الجميل، أربط بين رقي الإبداع  و الإبداع في خلق التنمية  و التطور الحضاري. و للعلم فإن طغيان الإيقاعات الصاخبة على الآلات الوترية  و النفخية غالبا ما يعكس مستوى التنمية  بما فيها  التنمية الاجتماعية  و الثقافية. 

حاول الكثير من فاقدي أسس الثقافة  الفنية و الإبداع التطفل على البيت الواسع للفن الموسيقي،  خاطبوا الغرائز  و حاولوا تكسير حواجز التعلم  و التمكن بالعلم لكي يدخلوا دون استئذان إلى محراب الفن.  أحدثوا بعض الضوضاء ثم رجعوا إلى حالتهم الأولى.  و قد تزايدت ظاهرة التطفل على الفن مع بداية عصر ما يسمى بوسائل التواصل الإجتماعي  و تطور تكنولوجيا التأثيرات الصوتية.  يصرخون بصخب  ثم يهمدون وسط رماد نتج عن تطاير الشظايا. 

و أستمرت علاقة المبدع الجاد مع جمهور،  و لو خيل للبعض أنه محدود العدد، في الصمود أمام الصخب الإعلامي المصاحب للظواهر غير الفنية. الصمود هو ذلك الذي أظهر الرقي الكبير لما يسجله مبدع مغربي شاب إسمه بودشار. قدم هذا الفنان دعوة للجمهور لكي يغني مصاحبا فرقة موسيقية تضم أساتذة متمكنين،  فكانت المفاجأة. لا أظن أن هذا الفنان الأصيل كان ينتظر مستوى النجاح الذي  وصل إليه  و الذي جعل فناني  و صحافيي مصر يمدحون  و يثنون على ذكائه  و على القدرة الهائلة التي ميزت تعاطي الجمهور مع الغناء  و مسايرة الفرقة الموسيقية بطريقة تكاد تصل إلى الكمال في مجال الغناء الطربي الجماعي.

فتح الفنان بودشار باب الرأسمال المغربي الطربي  و نجح في تصحيح نظرة البعض إلى تاريخ الأغنية المغربية بمهنية عالية.  جعل” الماء يجري قدامي” زلال عبر أصوات جمهور متعطش إلى المبدعين الحقيقيين. افرح الفنانين الكبار المغاربة بمبادرته  عبر الأصوات المغربية على مدى خارطة مسارح البلاد. كل المسارح تمتلئ عن آخرها و تمتلئ معها القلوب بالفرح  و الحبور الذي تصنعه الإبداعات  و ليس ما تصنعه  بعض  المؤثرات المدمرة من ” هيجان مرضي”  في حفلات الصخب  و الشتم  و إهانة قيم المغاربة. لمن أراد أن يتأكد من أن الجمهور الراقي كبير جدا عليه أن يشاهد حفل بودشار في المركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء. 

الفن المغربي بكل تلاوينه موجود في قلوب المغاربة  و حتى في قلوب الكثير من الشعوب الأخرى. جملنا الموسيقية  و ايقاعاتنا غنية بجذورها الجميلة في التعبير الامازيغي  و الحساني  و الأندلسي  و العربي.  الأغنية المغربية مليئة بالإبداع الذي انتجته عبقريات منذ عقود كثيرة. من أحمد البيضاوي  و فويتح  و فتح الله المغاري  و عبد الوهاب الدكالي  و عبد الهادي بلخياط  و من رافقوهم بالألحان  و الكلمات،  إلى نعمان لحلو  و عبدو الشريف  و البشير عبدو و نعيمة سميح  و سميرة بن سعيد  و أسماء لمنور و غيرهم و الشباب الذين ساروا على درب الإبداع حتى وصلوا إلى الكثير من بقاع الأرض،  هؤلاء لا يمكن أن يغيبوا أبدا عن وجدان  و ذوق المغاربة. من ليست له القدرة على صنع جملة موسيقية  و لا كلمات معبرة  و لا يحمل غير صوت نشاز يظهر كالشهب الاصطناعية و  يجب أن يختفي مثلها. شكرا بودشار لأنك ساهمت في الرد على من يدعون أنهم فنانون  و هم إلى التعبير عن الغرائز و إفساد  ذوق الشباب أقرب.  شكرا لأنك فتحت عيون الكثيرين من المغاربة على الموسيقيين الموهوبين الذين يرافقونك  و الذين يعدون بالعشرات بين فرنسا و  المغرب. كل من يتابع بودشار يلاحظ أنه يفتح الأبواب لكثير من الموسيقيين في كل حفلة من حفلاته. هؤلاء  الفنانين درسوا الموسيقى و اتقنوا العزف الذي يجهله جل المتطفلين على الفن بفظاعة الجاهل  و عنف الحاقد  و تطاول المغرور. و دامت الموسيقى منبعا للرقي تتكسر على صلابتها كل مظاهر الانحطاط ” الفني”.