إدريس الأندلسي
كثير من المتتبعين للشأن الإقتصادي ببلادنا كانوا يشتكون شح المعطيات الخاصة بمداخيل الثروة المعدنية الأولى للمغرب. كان المؤشر الوحيد المتاح بسرعة هو الرقم المتعلق بأرقام صادراته. الكل كان يطلب و يطالب بتصنيع المادة الخام و التحول إلى صناعة حقيقية تمكن البلاد من خلق القيمة المضافة و بالتالي خلق فرص الشغل و تثمين المادة الأولية و تخفيف الضغط على الميزان التجاري. و هكذا سجل هذا الأسبوع صدور معطيات هامة عن وضعنا في سوق الفوسفاط و مداخيله و برنامج الإستثمار في تصنيعه. و للتاريخ لحظات في مجال الإقتصاد. اهتمت حكومة عبد ألله إبراهيم الاشتراكية بعد انتخابات في السنوات الأولى للاستقلال بضرورة تدبير خاص بالفوسفاط. و تم البحث عن أول الاطر المسيرة في شخص الراحل كريم العمراني و ذلك حين كان الراحل عبد الرحيم بوعبيد وزيرا للاقتصاد و المالية . خلال الفترة القصيرة التي قضتها حكومة عبدالله إبراهيم في تدبير الشأن العام انطلقت عدة مشاريع من أهمها شركة لا سامير لتكرير النفط و البدء في مشروع الناظور للحديد و بالطبع تطوير صناعة الفوسفاط.
وجرت مياه السياسة بما لا تشتهيه رغبات أهل المصالح التي ترعاها سلطات المستعمر القديم المتجدد. و بعد ذلك سجل الصراع السياسي فترات من الشد و الجذب بين أصدقاء للامس تخللتها اعتقالات و نفي و اغتيالات سجلتها مؤسسة الإنصاف و المصالحة في بداية حكم الملك محمد السادس . و هكذا تم الإتفاق على طي ملف فترة أطلق عليها إسم ” سنوات الجمر و الرصاص”.
و التذكير بهذه المرحلة ضروري لفهم التطور الذي عرفه تدبير مادة الفوسفاط و الأسئلة التي طرحتها التطورات السياسية ببلادنا. هذا القطاع كان دائما يخضع لمعاملة خاصة على المستوى السياسي. إسم كريم العمراني ظل لوقت طويل الاشد ارتباطا به و بالطبع كانت الأسماء التي تحمل وزره ذات ثقل كبير. مر من المنصب الفوسفاطي الأعلى أيضا الراحل محمد فتاح ( والد وزيرة الإقتصاد الحالية و الوزير السابق في الطاقة و المعادن ) و مراد الشريف و محمد برادة و كلاهما كانا من وزراء المالية قبل أن يصل إلى مركز القرار منذ سنوات مصطفى التراب الذي يعتبر مهندس التحولات الصناعية التي يعرفها المكتب الشريف للفوسفاط حاليا.
سوق الفوسفاط كسائر المواد الاستراتيجية تخضع لتقلبات كبيرة. و لنتذكر ما حدث في سنة 1973. إنتقل سعر طن واحد من الفوسفاط من 14 دولار إلى أكثر من 100 دولار. فرحنا كثيرا و تم تعديل المخطط الخماسي و لكن سرعان ما تهاوت الأسعار و رجعنا إلى مخطط ثلاثي و تراجع الإستثمار إلى أن وصلنا إلى محطة الإصلاحات الهيكلية المؤطرة من طرف مؤسسات بريتن وودز ( صندوق النقد الدولي و مجموعة البنك الدولي ) و التي لا زالت تخيف محافظ بنك المغرب السيد عبد اللطيف الجواهري الذي كان سنة 1983 وزيرا للمالية و عاش في وسط زوبعة فرض شروط برنامج الإصلاحات الهيكلية الأول و الذي لا زالت آثاره بادية إلى الآن ( في مجال الصحة و التعليم )
اليوم يعيد إلينا تلك الصورة التي دفعت بالدولة إلى الثقة في الحل السحري للفوسفاط لحل مشاكل تمويل التنمية ببلادنا. و الفرق طبعا يرتبط بمعطيات أكثر دقة على السوق و على الاحتياطيات العالمية و على دور تثمين الإنتاج الخام في التموقع في السوق و تملك نصيب في توجيه قراره. المعطيات المسجلة حاليا و التي قدمت أمام عاهل البلاد تبين أن المغرب أصبح الأول في تصنيع و تصدير الفوسفاط في 2021 بعد أن كان يحتل المرتبة الرابعة في 2005. و بالطبع تجاوز رقم المعاملات ما يزيد عن 9،4 مليار دولار وقد يصل إجمالي حجم الفوسفاط المصنع إلى 20 مليون طن في سنة 2027. ستزيد الاستثمارات و ستزيد المداخيل و ستزيد معها الآمال في أن تغطي مداخيل الفوسفاط جزءا مهما من الميزانية العامة لا مجرد مساهمة لا زالت ضعيفة جدا. ننتظر انفتاحا أكبر للمكتب الشريف للفوسفاط لمواصلة إعطاء المعلومات على تدبيره و برامجه. و كل التمنيات أن يتمكن من فتح باب الولوج إلى التكوين العالي للمتفوقين من أبناء محدودي الدخل. و أن يستمر كذلك في الانفتاح على كافة الباحثين مهما كانت أفكارهم و اتجاهاتهم لكي لا يتجمد البحث الاستراتيجي في إتجاه واحد. الفوسفاط كان وراء ولادة المؤسسات النقابية في خريبكة و اليوسفية و بعدها في آسفي و بن كرير ، و اليوم يجب أن يفتح بابا واسعا على الإقتصاد كما هو الشأن في مجال الإقتصاد الأخضر و على المجتمع المدني في إطار يضمن حماية هذه الثروة التي تتصنع و تأمين تطورها و تطور تأثيرها على اقتصاد البلاد و على دخل المواطنين.