يوسف الطالبي
يعرف فضاء الفيسبوك حملة ضد حراس السيارات، يستنكر المروجون لها تواجد هذه الفئة في كل الشوارع والأزقة وأمام المرافق العمومية والخاصة والمحال التجارية، وينتج عن مطالبتهم السائقين أداء مقابل توقيف سياراتهم لمدة قد تطول وقد تقصر اندلاع خصومات وشنآن قد ينتهى في حالات كثيرة بتبادل العنف اللفظي أو حتى المادي، كما قاد طرفيه إلى المشافي ومقرات الشرطة. وتزداد حدة هذه الظاهرة عندما يطبق حراس السيارات أسعارا مبالغا فيها قد تصل حتى عشرين درهما، وخاصة عندما يكون التوقف لهنيهات قليلة كالتي يطلبها اقتناء خبزة فيكون على السائق أداء أكثر من ثمنها للحارس.
ورغم أن مبررات الحملة موضوعية ومشروعة، إلا أنها لا تلامس جوهر الإشكالية، إذ يشكل سوق هذه الخدمة أحد المجالات التي يتركز فيها الفساد الإداري والاقتصادي، وبدل أن تتجه سهام النقد إلى الرؤوس الكبيرة الراعية والمستفيدة من وضع الفوضى هذا، توجه نقدها إلى أخر السلسلة وأضعف حلقة فيها، وأشهد بصفتي كسائق مهني كثير الاحتكاك بهذه الفئة، أن حراس السيارات بدورهم مجرد ضحايا لأخطبوطات الفساد والاحتكار المهيمنة على سوق هذه الخدمة، وهي مافيات تتكون من أصحاب الأموال المشبوهة المصدر و منتخبين وموظفين جماعيين، كما أن مسؤولية الدولة تابثة برعايتها لنظام كراء الشوارع والأزمة لهذا الغرض. والحال أن الدولة عبر وزارة الداخلية والمجالس البلدية وفي إطار الحكامة في سياسة تنظيم المدينة يدخل ضمن مسؤوليتها تنظيم حركة المرور واستعمال الطريق العمومية، وأيضا توفير بنية تحتية مساعدة على حسن التعامل مع الطريق كفضاء عام مشترك بدل التفكير فقط في الموارد المالية، وبعد استخلاص واجبات الكراء تترك الحبل على الغارب.
لكن للأسف لا تسير الأمور وفق ما يجب ويحقق المصلحة العامة، إذ تعلن المجالس الجماعية عن يوم للمزايدات، يأتي الراغبون في المشاركة فيها محملين بمبالغ مالية نقدا مكدسة في أكياس من تلك المخصصة للحبوب والدقيق، ومن الغريب أن لا تقبل البلديات بالأداء بالشيك أو بالبطاقة البنكية رغم مخالفة ذلك للقانون، وبعد فوز نفس الأسماء المعروفة بالمزاد لعقد يمتد لسنة، يقوم هؤلاء بإكرائها كراء شهريا لآخرين، ليقوم هؤلاء بدورهم بتفويتها للحراس الذين يصطدم بهم المواطن مقابل وجيبة كرائية يومية تتغير بتغير الفصول والمواسم، ما يجعل الحراس مطالبين بأداء مبالغ تفوق الحدود المعقولة. وعليه فإن أي احتجاج أو رفض لهذا الوضع يجب أن يتوجه إلى الممسكين بخيوط اللعبة ومواجهة الفساد الإداري والمالي، وتجب الإشارة هنا أن المغتنين من هذا النشاط لا يؤدون أية ضرائب للدولة رغم رقم المعاملات الخيالي الذي تحققه هذه التجارة.
إن ما يحدث في نشاط مواقف السيارات هو نفسه ما يحدث في قطاع سيارات الاجرة، حيث يعمل السائقون تحت ضغط تغطية الوجيبة الكرائية اليومية “الجورني” معرضين أنفسهم لغضب الزبناء وتحمل عقوبات مخالفات الأسعار، في حين يحظى مالكو الرخص بتحصيل “الحلاوة” والكراء الشهري أو اليومي دون أي عناء ودون أداء أية ضرائب.