مُحَمَّد خُلُوقي
يُحْكَى ان ثَلَاثَةَ أَشْخَاص مِنْ الْعُمَيَانِ صَادَفُوا فِيلا جَرِيحَا طريحًا ، فَدَفَعهُمْ الْفُضُولُ لِمَعْرِفَة نَوْع هَذَا الحيوان ، فبدأ كل واحدٍ منهم يَتلمَّس جَسدَ هَذَا الكائن بِنَوْع مِنْ الْحَذَر الْمَمْزُوج بِاللَّهْفَة وَالْفُضُول؛ رَغْبَةً فِي التقصي ،وَالْمَعْرِفَة الْحِسِّيَّة ، واستغرق الثلاثةُ، وقتا كافيا حتى أسكتوا جوعَ فُضولهم وَتَصُورهِم عَنْ هَذَا الْحَيَوَان ، ثُمَّ غَادَرُوا الْمَكَان ، وَحِينَ دَخَلُوا قَرْيَتهُمْ اُخْبَرُوا الناس َبِأَنَّهُمْ صَادَفُوا فِيلاً ، فَطَلَب مِنْهُمْ الأهالي ان يَصِفُوا مَا صَادَفُوه .
فَقَال الْأَوَّل : هُوَ جَسَد ضَخْم شِبْهُ مُقَوَّس ، مِنْ تَحْت ِجِلْده السَّمِيكِ أَضْلَاَع ٌوَجُمْجُمَة ٌ كَبِيرَة .
وَقَال الثاني هُوَ جَسَد لَهُ أَرْبَع ُمَرَادِيّ* طَوِيلَةٍ لَهَا مَنَاسِمُ* صَلْبَة ٌ.
وَقَال الثَّالِث : هُوَ حَيَوَان لَهُ أُذُنَانِ كَبِيرَتَانِِ حين تتحركان تأْتِي مِنْهُمَا ريح ٌخُفَيْفَة ٌبَارِدَة ، وعَلَى جَانِبِي وَجْهه خَرَج نَابَان طويلان ، ويصدر عنه صوت كالنَهِيم*.
وحين سكتوا عن الوصف ، رد عليهم رجل من الْمُبْصِرَين و الْعَارِفَيْنِ بِتَفَاصِيل الفِيل وحياته وعيشه ، وخاطب القوم ببلاغة وبيان وفصل خطاب ، وضحَّ فيه بان كُلّ مَا قِيل فِي( الْفِيل) مِنْ طَرَف هَؤُلَاءِ (العميان )هو فائدة خبر ، يَعْتريه ما يعتريه من الحَقّ وَالبُطلان ، وَالتمام والنقصان ؛ وقال بان كُلّ وَاحِد من العميان الثلاثة حَكَم عَلَى الْمَوْصُوف حَسْبَ الْحَاسَّة الَّتِي امتلكها ، وَكَذَا الْعَنَاصِر الَّتِي لَمَسهَا ، فَكَانَ فِي وَصْفه كثير ٌمن التَجْزِيء، وَالنَقْص ،والضعف ، مما أبعده عن الحَقِيقَة الكُليَّة لذاك الموصوف ، لان (الفيل) حيوان فيه جُمَّاع مَا ذكروه وَمَا لَمْ يُدْرِكُوهُ ؛ بسبب تلك الحاَّسة التي هم أصلا لها فاقدون .
نسْتنَتج من الحِكاية أنَّ النَّاس ينظرون إِلَى مَا يُحِيط بِهُمْ ، وَإلَى مَا يَعْتَرِي أوضاعهم، وَمَا يُصِيب مُعَايِشهُمْ وما يروج ويَموج به عالمهم الْخَارِجِيّ ، وَفْق مَا يَلْبِسونه مِنْ نَظَّارَات ٍ زُجاجاتها متفاوتة ُ الألوان والإبصار ، والنتيجة أن مثل هذه الرؤية لن تَعْكِس نظرة ً سليمةً للمنظور ، ولن تقدم لنا تمام َ الحقيقة وَكَمَالها ، بقدر ما تعكس زوايا محدودةً ،يَشُوبها الكثيرُ من الغموض اوالخلل والنُّقْصَانِ أو البُطلان ِ.
كَذَلِكَ هي تَصَوُّرَات النَّاس وَرُؤَاهمْ ، فَهِي تُجَانِبُ بَعْضا مِنْ الْحَقِيقَة ِلَا كُلّ الْحَقِيقَة ؛ لَان العَالِم المبصر والعَارفَ بالحقيقة الكاملة هو بالضرورة موصوف بالكلية ،والكمال ، و موسوم بالخُلوِّ من أي ضعف ونقصان .
فأَنَّى للعُمْيان بعضٌ من هذا الإبصار ؟؟
بِقَلَم ذ. مُحَمَّد خُلُوقي
——————
شروحات معجمية :
المَرَادِي: قَوائِمُ الفِيلِ
المَنْسِمُ: خُفُّ الفِيلِ
النَّهيم : صوت الفِيلِ