سعيد عفلفل
قصيدة القرصان أو حوز مالطة من أجمل القصائد التي نظمت في موضوع البحر؛ والبحر كفضاء استهوى الكثير من المبدعين سواء في الثقافة العالمة أو الثقافة الشعبية إلا أن المتصفح لديوان الملحون لا يجد الكثير من القصائد التي كان موضوعها البحروما يرتبط به من نشاطات مختلفة.
إن أول صعوبة تصادفنا ونحن بصدد مقاربة هذه القصيدة الجميلة هو ناظمها:في المعلمة يؤكد الأستاذ محمد الفاسي على أن ناظم هذه القصيدة هو محمد بن فريحة وهوشاعر من مراكش عاش أيام سيدي محمد بن عبد الرحمن وابنه مولاي الحسن الأول، في القصيدة يشير إلى موطنه مراكش :”
من ليلك ترقم ما رقمتي قرصان بغير فالطة * سقصي عني في اوطان البهجة الذهات ” ويذكر اسمه هكذا :
”واسمي مترسم عد ميمين و حا و الدال بلا غطا * و الفا و الرا على الحا يا فاهم الابيات ”
واغلب الظن أن هذه الرواية هي الصحيحة.
ولدي نسخة أخرى من هذه القصيدة لشاعر آخر اسمه محمد لحلووهو من شعراء فاس ،له قصيدة ” البون ” وهي قصيدة مشهورة. إذ جاء في نهاية القصيدة اسمه على الشكل الآتي:
” اسْمِي مَتْرَسَّمْ **حَا و مِيمِينْ الدالْ لا غْطَا **لا مِينْ وحَا معَ الواوْ يا فاهَمْ الابياتْ ”
من هنا أدعو الباحثين والمهتمين بتراثنا الملحون لتنويرنا بالحقيقة فيما يخص ناظم هذه القصيدة.
تتحدث القصيدة عن حصار جزيرة مالطة وما تبع هذا الحصار من نتائج.ويرجع بنا هذا الحدث إلي الحصار العظيم الذي وقع في القرن السادس عشرحين حاصر أسطول ضخم من الجيش البحري العثماني جزيرة مالطة قصد إخضاعها وكان ذلك عام 1565 وبالتحديد من 18 مايو 1565 إلى 8 شتنبر 1565؛ دام الحصار أربعة أشهرلم يستطع العثمانيون خلالها دخول مالطة وإخضاعها وانتهى الحصاربهزيمتهم أمام صمود جيش الأوروبيين. أما الحصار الثاني الذي تعرضت الجزيرة فكان إبان الحرب العالمية الثانية بين عامي 1940 و 1942 بين قوات دول المحور: ألمانيا و إيطاليا من جهة والقوات البريطانية من جهة أخرى
تجرنا هذه القصيدة للحديث عن ما كان يسمى بالجهاد البحري وهي عمليات قرصنة كانت تتم خصوصا بالبحر الأبيض المتوسط وعلى طول السواحل الأطلسية المغربية. وهنا لابد من الحديث عن ماكانت تسمى بجمهورية بورقراق أو جمهورية سلا أو جمهورية قراصنة سلا التي ظهرت بين عامي 1627 و 1668 أي في القرن السابع عشر.
كانت هذه الجمهورية عبارة عن تنظيم سياسي قوامه قراصنة / بحارة تمركزوا في مدينتي سلا والرباط ( مصب نهر أبي رقراق)، وتشكلوا في غالبيتهم من الأندلسيين المطرودين من الأندلس قبل أن يلتحق بهم موريسكيون آخرون. واعتمدت الجمهورية على القرصنة كأساس لاقتصادها، وامتد مجال عملياتها البحريةإلى السواحل الإيبيرية قبل أن يتسع نشاطها ليشمل شمال المحيط الأطلسي إلى بحر الشمال ( الجزر البريطانية وأيسلندا)…في حقيقية الأمر هذا موضوع آخريطول الحديث عنه إلا أنه مرتبط بما سنخوض فيه لاحقا ، إذ أن الرحلة البحرية لأبطال قصيدتنا بدأت وانتهت من هنا.
يستهل الشاعر هذه الملحمة بوصف دقيق للسفينة التي أقلتهم من السواحل المغربية ( رباط الفتح ) نحو جزيرة مالطة في البحر المتوسط.ومن خلال هذا الوصف يتضح أنها كانت سفينة ضخمة تتوفر على ثلاث صواري تشد ستة عشر شراعا ( قلوع )، في الوقت الذي كانت فيه السفن العادية آنذاك لاتتوفر إلا على صارية واحدة فقط.
قبل المضي في استعراض أحداث الرحلة البحرية ، لا بد من التساؤل عن معنى كلمة قرصان كما وردت في القصيدة : ” قرصاني علام**فوق يم المالي معلم اسطا….مصنوع من الوريق والجمان والتقات ” في هذا البيت وفي الأبيات التي تليه هناك وصف صريح للسفينة / الفلك ؛ هل هذا يعني أن كلمة ” قرصان ” يقصد بها السفينة أم أنها تعني ما هو متعارف حوله من كون القرصان هو بحار يعمل خارج القانون ؟ لنعد إلى قصيدتنا وإلى قائدها ” الرايس ناجم ” إنه قائد بكل ما تحمل كلمة القيادة من معنى، قائد محنك متمكن من عمله مسيطر على سفينته وطاقمها ، متواجد في قمرتها مستعينا بأدواته: ساعة رملية ، بوصلة و خريطة لتحديد اتجاه الرحلة البحرية ، وتحت امرته ألفان من الجنود / البحارة ” المارينز ” على كالم الإستعداد لتنفيذ أوامره.سفينة عدد الجنود المتواجدين فوقها : ألفا جندي، إنها فعلا سفينة ضخمة.
القسم الأول من القصيدة غني بمعجم يحيلنا على البحر وعلى عالم السفن والإبحار.إنها سفينة كبيرة مصنوعة من جدع شجر متين وجيد مع زخارف من الفضة والؤلؤ: ” مصنوع من الوريق والجمان والتقات ”. الدومانجي متحكم في آلته ( الدومان وهي آلة دائرية الشكل تستعمل في توجيه السفينة وتوجد في القمرة ).
يصف الشاعر حصار مالطة ب ” الحشر الكبير ” ، الأكيد أن المعركة كانت شرسة استعمل فيها كل أنواع الأسلحة المعروفة وقتئذ. كان هناك قصف عنيف بالمدافع بلغ صداه السهول والجبال المحيطة بالمدينة ” الكور تكلم***زعزع مداينها وجبال والوطا ” وتواصل القصف إلى أن استسلم الجنود الأوروبيون وخضعت الجزيرة للقبطان ناجم ورجالاته : ” اسطاعت العجم……..ورضاو الغلب……” أي أنهم ” عطاو الطوع ” بلساننا العامي الدارج.وكانت النتيجة غنائم عديدة حصل عليها الرايس ناجم وجنوده من سبايا إفرنجيات ”علجات ” ودخائر ثمينة : ”قرمزوالعلدم والتبر والعسجد واللجين والدمقدس والقماش ”.
بعد هذا النصر عاد الرايس والجنود مزهوين بالنصر والغنائم وبدأت السفينة تمخر عباب موج المتوسط في اتجاه مدينة الجزيرة الخضراء ” الخوزيرات ” عبر مضيق جبل طارق ” جبل الطر ” ساعدهم في ذلك رياح هادئة إلى أن وصلوا غايتهم ومنتهاهم مدينة الرباط ” رباط الفتح هكذا جابو في السورات ”. وجد الرايس ناجم والجنود في استقبالهم أهل المدينة وهم في غاية الفرح والسرور.