في فترة الاستعمار البريطاني للهند، يحكى أن أحد ضباط الجيش البريطاني صفع مواطنا هنديا، وكان رد فعل المواطن الهندي أن رد الصفعة بأقوى ما يملك من قوة أسقطت الضابط أرضا.
انسحب الضابط من المكان وهو يردد غاضبا كيف يتجرأ مواطن هندي بسيط على صفع ضابط في جيش امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، وكان متجها إلى مركز قيادته ليخبرهم بما حصل، ويطلب دعم رئيسه لمعاقبة المواطن الهندي الذي ارتكب في نظره جرما لا يغتفر .
قائده الأعلى هدأ من روعه وأخذه إلى مكتبه وفتح خزينة بها الكثير من الجنيهات الاسترلينية، والآفا من أوراق الروبية وهي العملة الهندية، وقال للضابط : خذ من الخزينة خمسون الف روبية واذهب إلى المواطن الهندي واعتذر منه على ما بدر منك وأعطه هذه النقود مقابل صفعك له،
جن جنون الضابط وصاح في وجه رئيسه: أنا من له الحق في صفعه وإذلاله، وقد صفعني وهو لا يملك هذا الحق فنحن الأقوياء هنا، وما تطلبه مني إهانة لي ولك ولجيش صاحبة الجلالة بل إهانة لصاحبة الجلالة الملكة نفسها .
قال الضابط الكبير لضابطه الصغير : اعتبره أمر عسكري، عليك تنفيذه دون نقاش.امتثل الضابط لأوامر قائده، وأخذ المبلغ وذهب إلى المواطن الهندي
وعندما عثر عليه قال له : ارجو إن تقبل اعتذاري، صفعتك وأرجعت لي الصفعة وأصبحنا متساوين، وهذه خمسون الف روبية هدية مع اعتذاري لك.
قبل المواطن الهندي الاعتذار والهدية، ونسي أنه قد صفع ظلما على تراب وطنه من مستعمر يحتل أرضه، وكانت الخمسون الف روبيه في تلك الفترة بمتابة ثروة بالمقياس الهندي، اشترى المواطن الهندي بجزء من المبلغ منزلا واحتفظ بجزء واشترى بالباقي (ركشة) والركشة هي وسيلة نقل بثلاث عجلات يستخدمها الهنود في تنقلاتهم وفي نقل الركاب.
اشتغل الهندي كثيرا واستثمر أمواله في التجارة وفي وسائل النقل وتحسنت ظروفه الاجتماعية وأصبح مع مرور الوقت من رجال الأعمال، نسي الصفعة وظروف تخليه عن كرامته، لكن الإنجليز لم ينسوا صفعة الهندي للضابط، وبعد فتره من الزمن استدعى القائد الانجليزي ضابطه وقال له : أتذكر المواطن الهندي الذي صفعك،
قال: كيف أنسى ذلك ،
قال القائد : حان الوقت لتذهب وتبحث عنه، وبدون مقدمات قم بصفعه بقوة أمام أكبر حشد من الناس
قال الضابط : لقد صفعني وهو لا يملك شيئا، واليوم وقد أصبح من رجال الأعمال وله أنصار وحراس ومكانة في المجتمع وقوة لم يكن يحلم بها، فإن صفعته اليوم فلن يرد الصفعة فقط، بل سيقتلني.
قال القائد لن يقتلك، اذهب ونفذ الأمر بدون نقاش
امتثل الضابط لأوامر قائده وذهب إلى حيث الهندي وحوله أنصاره وخدمه وحراسه وجمع من الناس، رفع يده بكل ما يملك من قوة وصفع الهندي صفعة قوية أسقطه أرضا، دون أن يبدي أدنى رد فعل، بل لم يجرؤ على رفع نظره في وجه الضابط الانجليزي.
اندهش الضابط وعاد مسرعا إلى قائده،
قال القائد للضابط : إني أرى على وجهك علامات الدهشة والاستغراب،
في المرة الأولى بعد أن صفعته رد الصفعة بأقوى منها لأنه كان فقيرا ووحيدا، وضعه اليوم يختلف كثيرا، فهو يملك من المال والجاه ما لا يملكه غيره.
وأضاف القائد، في المرة الأولى كان لا يملك سوى كرامته ويراها أغلى ما يملك فدافع عنها ، وبعد أن باع كرامته بخمسين الف روبيه لم يستطع الدفاع عن نفسه أو رد الصفعة بأقوى منها لأنه أصبح خائفا على مصالحه، وإن احتجته غدا ليكون عميلا لك فلن يتأخر ..!
محمد نجيب كومينة / الرباط