بعيدا عن المواقف المحلقة بعيدا عن الارض وما يعتمل فيها، وعمن حولوا ماركس الى بن تيمية ولنين الى ابن قيم الجوزية وحولوا منهجهما الديالكتيكي الى منهج خطي يقود الى الارتطام بالحائط وليس الى التغيير، اقول انه لايغريني نهائيا ان اعيش في الماضي ولا في جلباب من يعتبرون انفسهم سباقين وروادا وقادة وغير ذلك ليسار كان له ما له وعليه ماعليه في سبعينات القرن الماضي وانتهت صلاحيته بسرعة بسبب القمع الشرس من دون شك، وايضا بسبب اخطاء قاتلة ارتكبت من طرف قيادات شابة بلا رصيد يعتد به ولا خبرات ولا مؤهلات حقيقية وقتئذ للخوض في معمعان السياسة في المغرب، وليس في اي مكان من هذه الارض وايضا وايضا بسبب الغرق في الايديولوجيا ونسيان ان ماركس هو الذي حولها من علم الافكار الى استلاب، والاستلاب يستمر في الالتصاق بها لدى استعمالها كلمة من طرف الماركسيين وغير الماركسيين الى اليوم.
انا لا اخون احدا ولا استسهل توزيع الاتهامات واطلاق الاحكام الجاهزة، لانني تجاوزت امراض الطفولية اليسارية من زمن بعيد واصبحت لي نظرة لليسار، ولنفسي كيساري، منفتحة على التطورات المختلفة التي تجري بوتيرة سريعة في عالم اليوم وفي بلدي ايضا بلا انغلاق ذهني ولا سلفية ولا ذاتية ولا عنترية او ادعاء باطل، ومستوعبة لحقيقة ان الاشتراكية تبقى افقا لتجاوز الاستغلال والفوارق الطبقية ولبناء حضارة المساواة الفعلية بين بني الانسان ولحماية الحقوق والحريات والديمقراطية التي تعكس فعلا ارادة الشعوب ولا تبقي اي مجال لنشوء اي دكتاتورية من اي نوع كانت او اي استبداد من اي صنف كان. نظرة تستوعب كل المكاسب التي راكمتها البشرية في مختلف الميادين ولا تتنكر لاي منها ولا تخنقها في “ميكة كحلة” مع بقايا ايديولوجية عفا عليها الزمن. فليس جدار برلين والاتحاد السوفياتي من سقطا، بل سقط الكثير مما كان يعتبر من المسلمات في ازمنة التحجر الايديولوجي وحجر من كانوا يوجهون نحو الوجهات الخاطئة، واليوم يواجه اليساريون المنفتحون على واقع بلدانهم وعلى عالم اكثر انفتاحا وتواصلا من اي وقت مضى وعلى المعرفة والبحث العلمي تحديات كبرى لم يتمكنوا من رفعها بعد، ولا يدعي القدرة على رفعها الا من اختاروا سلوك النعامة لتبرير الجمود او الكسل الفكري والخواء المعرفي.
من لا يتقدم لايبقى واقفا في عين المكان كما يعتقد، بل يتاخر ويتجاوزه الركب ولا يحق له التباكي واتهام الاخرين بالتخلي عنه، فلربما يرثون لحاله لكنهم لايمكن ان يتورطوا في جموده وسلفيته ارضاء له والا وجدوا انفسهم هم ايضا وراء الركب بسنوات ضوئية.
مجرد كلام، والله يهدي ما خلق.
محمد نجيب كومينة / الرباط