آخر الأخبار

اللّـــيــــل

سـعـد سـرحـان 

 

الليل نصف كأس الزمن، النصف المليء أو الفارغ حسب نوع الإكسير.
الليل حضن ينغل بالقنافذ والذئاب والدفء والشُّطار والغيلان والأطياف… وكلّ ما في دُلو الجدّة من خرافات، الدّلو الذي كان يغوص بأحلامنا ذراعاً فذراعا صوب قعر النوم.
الليل قَرٌّ، والملاءات أرحام نتكوّم داخلها في وضع الأجِنة ولا نستقيم حتى تحت إلحاح مثاناتنا، تلك التي نفرغها على جدار في الحلم فإذا سراويلنا مبتلة في الواقع.
الليل حَرٌّ، ونحن نشاطر الدجاج والأصص سطحَ بيتنا القديم، السطح المسقوف بالهواء كأي سطح حقيقي.
الليل ثغاء متقطع أسفل البيت، ونحن نستعجل صباح العيد كي نستعرض عضلاتنا الفتية على الأشلاء والقرون، ونلطخ أنفسنا عنوة بالدم، قبل أن نُشهد المرآة على رجولتنا الصغيرة.
الليل أكثر من ليل، أوله الفطور وآخره السّحور وما بينهما لا نكفّ عن الطعام المباح، أمَّا ما كانت تبثه المآذن والأزقة والحواري من ابتهالات وأصوات وموسيقى.. فسيظل يتردّد في أرجاء الروح ما بقيت الروح.
الليل شبق قديم وغَلَمَة أولى: نساء كثيرات كن يتسلّلن من الأفلام والمجلات إلى أسِرَّتنا العذراء فلا يغادرن أحلامنا قبل أن تُسفر أغصانُنا عن حليب ليس كالحليب.
الليل لمجاورة أحواض النعناع في حاكورة جدتي، أو للاستلقاء في بيدرها الكريم: البدر من فوقنا مزهوٌّ بوصيفاته اللّامعات والجداجِدُ من حولنا تُمَوْسِقُ الفضاء.. فلا نستيقظ إلّا واليمام بين نقر وهديل.
الليل لبواكير القراءة، للنظرات والعبرات، للأجنحة المتكسّرة والرسم بالكلمات… ولكل ما قد يفيد في كتابة رسائل ناجعة لسعاد كلّما بانت سعاد.
الليل للأعراس، حيث الزغاريد والأهازيج تمتدّ من دماء الذبائح حتى دماء البكارات.
الليل للسهرات، سهرات رأس الدرب، وسهرات رأس السنة وسهرات رؤوس الأفلام، تلك التي كانت بَهاراً سحريّاً لخيالنا. فهي أيضا كانت تقطع من الهند إلى قاعاتنا السينمائية الطريق نفسه الذي قطعته التوابل إلى أسواق العطارين.
الليل للتحصيل، ولعل ذلك من قبيل تحصيل الحاصل.
الليل للكتب والكتابة، فالكتابة ليل يغشى ليل الورق.
الليل للسرير والأُسْرة، لقرّة العين وقرّة القلب وباقي فلذات الروح في الغُرَف المجاورة.
الليل لصداع الرأس وأوجاع الروح، للهواجس والكوابيس، للقلق والأرق، للدفء والمطر الأزرق، لسهول الأحلام ومرتفعات اللذة… وللأمل مُنبجِساً من الهزيع الأخير من اليأس.
الليل لليل، هذا السّاهر السّرمدي في حانة الأرض.
الليل نصف العمر، النصف ناصع العمى.
الليل مُسَوَّدة فقط، فكلام الليل يمحوه النهار.

مراكش 2025/1/20