آخر الأخبار

المؤسسات و مصلحة الشعب

في واقع الأمر، الأصل في تكوين المؤسسات أي ما يعرف الآن ب (دولة المؤسسات) في الحقيقة وحسب العقد الاجتماعي يجب أن تكون ناطقاً رسمياً لكل فئات الشعب .. خاصة الأحزاب والبرلمان وباقي المجالس الأخرى فهي تعتبر صوت الشعب ، وإذا اضطر هذا الشعب أو فرض عليه الحديث عن نفسه في الشارع فلتصمت هذه المؤسسات الوسيطة ولتعلم أنها قد خيبت امال الجماهير وأنها لم تقم بدورها كما ينبغي.
كما أن أن الغاية الاولى والهدف من خلق مثل هذه المؤسسات هي تنظيم وتسهيل وتيرة التنمية في ابعادها السياسية .. الاقتصادية .. الاجتماعية .. الثقافية.
وحينما تصبح هذه المؤسسات غير صالحة لهذا الغرض أو تصبح هي نفسها عقبة في وجه التنمية بشكل أو بآخر وغير دي جدوى حتى لا نقول بأنها هي من اخلت بالتزامها وفسخت العقد الاجتماعي الذي بينها وبين اغلبية الشعب فمن الأحسن أن تستقل من مهامها في أحسن الأحوال.
هذا طبعاً في البلدان والدول الديمقراطية نسبياً والتي لها تقاليد الاحترام للمواطن وللانسان بشكل عام.
اما في البلدان مثل بلدننا ففي كل مرحلة من مراحل الازمات تبرز وسائط أخرى من رحم النظام أو النخبة أو التشكيلة التي كانت هي السبب في الازمة أو في انهيار مقومات البلد السياسية والاقتصادية وحتى المنظومات التربوية والأخلاقية. في ظل هذه الأوضاع أو في مثل هذه الحالة، واهم من ﻳﺘﺼﻮﺭ ﺃﻥ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﻓﺎﺳﺪﺓ مثلاً في ظل نظام فاسد كذلك قد يمكن لها محاربة ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ ﻓﻬﻮ ﻛﺎﻟﺘﺎﺋﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻴﺪﺍﺀ ، ﻳﺮﻯ ﺍﻟﺴﺮﺍﺏ ﻭﻛﺄﻧﻪ ﻣﺎﺀ ﻗﺪ ﻳﺮﻭﻳﻪ ، ﻓﻴﺮﻛﺾ ﻧﺤﻮﻩ ﻭﻻ ﻳﺠﺪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺴﺮﺍﺏ، إلى أن يموت ﻋﻄﺸﺎ ! فلا سبيل ، ولا ﻃﺮﻳﻘﺔ أخرى ﻟﻤﻜﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﻔﺴﺎﺩ إلا بالعمل من أجل التغيير لموازين القوى المختلة بفعل فاعل لصالح الفساد و بإرادة سياسية مقصودة ومتعمدة. فلم ينتشر الفساد ولم يتقوى بالصدفة أو بقدر أو نزل من السماء كالمطر، وإنما كان نتيجة لاختيارات سياسية معينة لم تكن أصلا ديمقراطية ولاشعبية وإنما كانت فوقية استبداية اغتصبت كل السلط واستحوذت على كل منابع الثروة في البلد بالقمع والتشريد إلى آخره. وفساد اليوم ليس سوى نتيجة لاختيارات الأمس السياسية ، وابن شرعي لتدبير ممارسة سياسية تفرعت عنها اقطاب واتجاهات فاسدة خُلقت لنفس الغرض لتزاول نفس المهمة وهي النهب للثروة الوطنية بكل الاساليب والطرق. ولهذا فالوقوف في وجه امبراطورية الفساد اليوم لن يتم بالشعارات والوقفات مهما كان عددها وعدد من يحضرون إليها . وإنما الأمر يتطلب أولا الصدق والتضحية الفعلية والانخراط في العمل السياسي الجاد و الدؤوب والمستمر والمنهمك لبناء وتصحيح للمسار السياسي والاهتمام بالجسم الإطارات السياسية المنهكة بفعل عوامل متعددة منها عامل الشيخوخة المعنوية وعدم تجديد الطاقات والأساليب والوسائل كذلك، ثم الانغماس في اغوار هموم أغلبية الشعب لمعرفة تطلعاته والاشتغال وسطه وليس الابتعاد عنه وادعاء النيابة في غيابه داخل تجمعات نخبوية ، ايضاً السعي الجاد والصادق لإصلاح آليات العمل السياسي للتواصل مع هذا الشعب العميق ، هذه الآليات المتمثلة في تقوية الروافد التي يعتمد عليها العمل السياسي الجاد والتي عليها بدورها الاحتكاك بالجماهير وتعبئتها من خلال العمل القطاعي بكل فئاته والاشتغال في الأحياء والمداشير مع المواطنين على كافة المستويات والمجالات بالمواكبة والثأطير السياسي والحقوقي للرقي بالوعي الشعبي . مع تقوية وتنقية تلك الروافد التي تعتبر آليات العمل السياسي والتي ضمنها طبعاً .. بل وعلى رأسها الحقل النقابي والشبابي والنسائي ، كذلك مواجهة شرذمة النخبة الانتهازية والفاسدة المتسلقة داخل تلك الروافد والتي تسترزق دوماً بالشعارت الرنانة المنمقة .. التي ظاهرها رحمة وباطنها عذاب. مع تفعيل آليات المحاسبة داخل كل الإطارات الحزبية وغيرها والوقوف على احترام للضوابط التنظيمية لتكون اجبارية على الكل، ربط النظرية بالممارسة ايضاً مسألة ضرورية، واعتماد الديمقراطية الداخلية بشكل من الحزم والصرامة التنظيمية التي تعطي الهيبة والمصداقية للتنظيم الحزبي ، هذا الأخير الذي عليه .. بل من واجبه القيام بدوره في تسطير برامج وادبيات واضحة المعالم و الأهداف سياسياً وصريحة في التعاطي مع الرؤية السياسية ايديولوجياً، بخطاباب وادبيات واقعية دون مغالات كي لا تسقط كالعادة في نظرية تفتقد للتطبيق و الممارسة النضالية. طبعاً لابد من وضع برامج محددة زمانياً وظرفياً ومنسجمة قولاً وفعلاً مع شكل وانواع العلاقات والتحالفات السياسية المراد التعاون معها والتي تحمل نفس الهموم ونفس الأفكار السياسية والايديولوجية ، المسطرة سلفاً من الأجهزة التقريرية . وليس اللعب على الحبال وخلط للأوراق والدخول في علاقات وتحالفات هجينة فقط من أجل الظهور والبهرجة والاشعاع الكاذب مع أشخاص بعضهم له مأرب ومصالح شخصية. أى مجموعة من المنتفعين يحملون خطابات وشعارات يطغى عليها التعالي والانانية والمزايدات المجانية والمقامرة والانسياق في مغامرات بهلونية مجانية لا تحكمها ضوابط مبدائية ولا مصداقية فلسفية أو ايديولوجية وغارقة في الأوهام السياسوية والتخيلات المريضة التي تؤدي ضريبتها دوماً القواعد الصادقة . وكذلك الجماهير التي تصاب بخيبة الأمل فتفقد التقة في أي مبادرة سياسية أخرى. وربما في العمل الجمعوي والحقوقي والسياسي برمته كما هو الحال الآن.
دون الاشتغال من داخل اطارات سياسية والعمل على تقويتها وتوسيعها جماهرياً لاحتلال المواقع الطبيعية داخل الإطارات النقابية وتصحيح مسارها من جديد بترسيخ المبادئ والتقاليد النضالية والمفاهيم النقابية الصحيحة والحقيقية ونبد كل انواع الانتهازية والزبونية والحزبية الضيقة التي أدت للانحراف النقابي والتجارة النقابية التي اوصلت الحقل النقابي إلى الإفلاس والباب المسدود.
هذا الأمر بالتأكيد صعب ولكن ليس مستحيلا إذا توفرت الارادة النضالية.

إبراهيم حمى، مناضل نقابي