محمد نجيب كومينة
لست مواليا لهذه الجهة او تلك من الجهات التي تخوض نزاعا حول وضعية المجلس الوطني للصحافة، لانني خارج المصالح و الحسابات الانتخابية و السياسية وغيرها و السباق نحو المواقع، وانظر الى مايجري نظرة غيور على مهنة و على استقلاليتها واخلاقياتها وكرامتها ايضا، بعدما صارت تحت الصباط، و مواطن حريص على حرية التعبير باعتبارها الاساس الذي تقوم عليه حرية الصحافة، اذ تنتفي هذه الاخيرة اذا حوصرت الاولى او تم التضييق عليها.
من هذا المنطلق، ارى ان النقاش الذي ادخلت فيه الحكومة الجسم الصحفي يبين عن ترد في نظرة المسؤول السياسي او الوزير لموضوع كبير له تاثير على مسار البلاد داخليا، لان الصحافة ليست خادمة مكلفة بغسل اوساخ السياسيين او الحكومات كما هو معروف والا اصبحت جزءا من الاوساخ، وله تاثير ايضا على سمعة البلاد ووضعها الديبلوماسي و مصالحها الاستراتيجية والجيوسياسية، و غير خاف ان استبعاد المغرب من قمة الديمقراطية التي نظمها الرئيس بايدن يعود الى وضعية الصحافة والصحفيين بالمغرب بدرجة اساسية، كما ان قرار البرلمان الاوروبي، ورغم مايسجل عليه، ماكان ممكنا ان يصدر ضد المغرب لو كانت حرية الصحافة محترمة ومضمونة فعليا ولم يكن هناك صحفيون وراء القضبان.
ذلك ان كل شئ يشير الى ان المطبخ الذي طبخ فيه المجلس الوطني للصحافة مند البداية ماكان لينتج الا طبخة فاسدة وفاشلة، لان الغرض لم يكن هو حماية اخلاق مهنة الصحافة كما هو متعارف عليها كونيا وكما هي محددة في مواثيق، وانما وضع رقيب لتكييف حرية الصحافة مع اخلاقيات كابحة لها و ليس لمحاربة التجاوزات الاخلاقية والمهنية التي نعرف ان هناك تغاض عنها عندما تكون منخرطة في خدمة اجندات يعرفها الجمهور العام الذي بات يشك في الجميع و ينظر الى مهنة برمتها نظرة ريبة وشك في نزاهة ومصداقية كل من يمارسونها.
و حيث ان الطبخة كانت فاسدة من الاصل، فان عدم اجراء انتخابات تجديد العضوية بالمجلس في وقتها المحدد و بعد التمديد، والسعي الى ادامة سيطرة افراد بعينهم، مجرد تفاصيل صغيرة، و المشروع الذي جاءت به الحكومة لتعيين لجنة لمدة تفصيل اضافي، فالمال الوحيد لمجلس مصنوع على مقاس محدد، وكان جزء من كل اندرج في اطاره مشروع القانون سيئ الذكر الهادف الى منع التعبير عن الراي عبر شبكات التواصل الاجتماعي الملغى بعد حملة مواطنية قوية، هو الفشل الدريع و خلق مزيد من المشاكل بدل الاتيان بحلول لاشكال فعلي قائم متمثل في التردي الاخلاقي غير المسبوق في الممارسة الاعلامية ببلادنا ومرض الجسم الصحفي المتفاقم و فقدانه للحد الادنى من الاستقلالية، بحيث ان الوضع اليوم اسوا مما كان عليه على هذا المستوى حتى بالمقارنة مع السنوات المعروفة ب”سنوات الرصاص”، و لننظر جليا الى بعض من يتصدرون الواجهة لنفهم كل شئ دون الحاجة الى ذكاء خارق.
ان حل مشكلة التنظيم الذاتي للصحفيين لا.يمكن اطلاقا عزله عن مشكلة حرية التعبير والصحافة وحماية التعددية التلقائية التي اسس لها ظهير 1958 مباشرة بعد الاستقلال، وكل محاولة للعزل ستقود الى استمرار الفشل و المزيد من التردي وربما انقراض الصحافة بالمغرب لفائدة ادوات دعائية متخلفة تصلح لبلدان يسود فيها الحزب الوحيد وتهيمن فيها الاجهزة الامنية، و محاولة العزل هذه اذا تمت بواسطة مشروع القانون المطروح من طرف الحكومة حاليا، الذي يبيح للحكومة التدخل فيما لا حق لها في التدخل فيه، ستكون فضيحة “بجلاجل”، لان ذلك سيعني ان بمقدور الحكومة الغاء الدستور ومقتضياته واعمال ماتراه مناسبا لحساباتها الغامضة جدا، واذا كان هذا ممكنا لها، واجاز لها البرلمان مشروعها، وتم تنفيذه بدون عرضه على المجلس الدستوري، فلنترحم على كل تطلع الى بناء ديمقراطي في هذا البلد، و لنستعد لنهاية الحريات.