أكد عمر جدلي الكاتب والمخرج المسرحي أن فن أحواش بجذوره الضاربة في القدم وبملامحه الأمازيغية الصرفة، يتوفر على إرهاصات درامية تدعم تصنيفه ضمن أشكال التعبير القبل مسرحية، ومن أهم هذه العناصر فضاء اللعب الذي له خصوصيته وقدسيته ورمزيته.
وأوضح جدلي في مداخلة خلال ندوة علمية حول موضوع”الإيماءات والنصوص والموسيقى الإفريقية المغربية التأثيرات والإلتقاءات”، أن ” أسايس” وهو فضاء استقبال الفن التراثي أحواش فضاء دائري مفتوح على التفاعلات المختلفة من خلال أداء حوارات شعرية وتقديم لوحات فنية راقصة، يتمتع بمكانة خاصة تؤهله لأن يكون من الفضاءات الجماعية القارة التي لا تتغير بفعل الزمن.
وأضاف جدلي أن هناك تشابه بين المحاورات الشعرية التي تتخلل رقصات أحواش، وقيمة وأهلية، ” إيمرارين ” وأدوارهم الهامة في تنشيط وضبط الإيقاع العام لحفلات أحواش، وبين حفلات ديونيزوس، حيت كانت أغاني الديثيرامب تتخللها مقاطع شعرية في شكل حوارات هزلية أو أشعار أو تعبيرات عن مواقف مختلفة، يتم إدراجها للحفاظ على الإيقاع العام ولضمان تجاوب الجمهور.
واستحضر الكاتب والمخرج المسرحي المحاورات الشعرية الشهيرة ضمن فرجات أحواش، التي أشار إليها العديد من الباحثين في التراث الشعبي الأمازيغي، حيث كانت تختتم بأبيات كوميدية ساخرة يذهب فيها الشعراء في بعض الأحيان إلى ذم أنفسهم ببسط مناقبهم وعيوبهم والإفراط في وصف نقائصهم الفيزيولوجية بهدف النكتة والترفيه.
وتوقف جدلي عند مظاهر التمسرح في فن أحواش، من خلال إقدام مجموعة من الشعراء المعروفين، خلال الحفل، على تقمص أدوار صغيرة أو تقليد شخصيات معروفة، مبرزا في هذا السياق، أن بعض الشعراء يخرجون عن نصوصهم ويدخلون في حوارات مع الجمهو.
وعلى مستوى المسرح المغربي وأشكاله الفرجوية المختلفة، أشار عمر جدلي إلى أن الأبحاث التي قام بها الدكتور حسن المنيعي حول الأشكال الفرجوية ماقبل المسرحية في التراث المغربي، أكدت أن العديد من مظاهر الاحتفال الشعبي القديم في المغرب يمكن اعتبارها أشكالا مسرحية كالحلقة والبساط وسيد الكتفي وسلطان الطلبة، وعبيدات الرمى إلى غير ذلك من الفنون الشعبية التي تتوفر على عناصر التمسرح، بالرغم من كونها لا تخضع لتقطيع الفصول والمشاهد ولا تحترم القواعد المتداولة.
وفي هدا الصدد، أوضح جدلي أن فن أحواش يدخل في هذا التصنيف بالنظر لمقومات الفرجة التي يتوفر عليها كونه لا يخلو من تسلية ومن طرافة ومن تواصل فعال مع جمهور أسايس.
وأشار إلى إن أول ما يثير الاهتمام عند مشاهدة لوحات أحواش، اشتغالها على الفضاء، سواء كان فضاء أسايس أو فضاء آخر، بهندسته وتأثيثه بالجسد وحركاته، وهو جسد يزخر بالحياة وينتصر لها عبر ثنائية الجنس ( جسد الرجل مقابل جسد المرأة )، وبالتالي يسلط الضوء على العلاقة بين الرجال والنساء، ويقدم صورة عن طبيعة هذه العلاقة داخل المجتمع، وعن وضعية المرأة ومكانتها داخل بنية الجماعة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وقال جدلي إن رقصات أحواش تضم غالبا نفس العدد من النساء ومن الرجال، على عكس مجموعة كبيرة من أنماط الفنون الشعبية المغربية والعربية وحتى في الحضارات الغربية، حيث يقتصر الأداء فيها على الرجال من دون النساء، مضيفا أن لهذه المناصفة في العدد ما يبررها في الحضارة الأمازيغية التي كرمت المرأة على مدى الأزمان واعترفت بنديتها للرجل، مذكرا بمجموعة من القصص والأساطير والحكايات الأمازيغية
وحسب جدلي، فإن من مظاهر الاحتفال بالمرأة وتقديرها في أحواش المغربي تميزها بارتداء الأزياء الملونة بألوان البهجة والفرح مقابل تخصيص اللون الأبيض للرجل، وكذا حكر المشاركة على العازبات من دون المتزوجات، فتجد الفتاة ترقص رأسا مع أبيها أو عمها وهو ما لا يمكن السماح به في بعض الثقافات والأوساط القروية الأخرى في المغرب.
وخلص جدلي إلى أن أحواش يبقى المناسبة الأمثل للتعبير عن الإعجاب والحب، وللاقتران بالنسبة للشابات والشباب في سن الزواج، أمام حضر جميع فرص التلاقي الممكنة بين الجنسين داخل القبيلة، وهذا الامتياز الاستثنائي يشكل الحافز الأكبر للشباب من الجنسين على بذل الجهد الأوفر لتشرب هذا الفن وإتقانه والتميز في مضماره.