جليل طليمات
سألني بعض الأصدقاء و الرفاق : ” ماذا تقصد بإعادة بناء المشترك اليساري في تدوينتك الأخيرة؟ , وما ذا تبقى من هذا المشترك في ظل وضعية التذرر التنظيمي لقوى اليسار ؟”
يمكنني هنا, وبتكثيف شديد أن أحدد العناصر الجوهرية المكونة للمشترك اليساري المطلوب إعادة بنائه كالتالي :
1 التاريخ النضالي المشترك: بتضحياته وإخفاقاته وخيباته وقيمه النضالية والأخلاقية من صمود وثبات على المبادىء وإصرار على مواصلة النضال من أجل بناء نظام سياسي ديمقراطي،ودولة الحق والقانون،ومجتمع تتحقق فيه العدالة الاجتماعية والحرية والمساواة.
حقا , هناك مظاهر كثيرة من تردي هذا العنصر المشترك, بفعل ما تسرب لقوى اليسار من نزعات انتهازية, استثمرت في هذا الرصيد التاريخي المشترك لأهداف وحسابات بعيدة عن اختيارات اليسار وقيمه وإستراتيجيته .
2 الطبيعة الاشتراكية لأحزاب وفصائل اليسار: التي تفرض ,في ظل متغيرات عصرنا، خاصة بعد فشل التجارب الاشتراكية،تجاوز الفهم الجامد الدوغمائي للاشتراكية كفكرة ومشروع ، والعمل على الانتظام من جديد داخلها من خلال تجديدها وإغنائها لتستوعب مستجدات العصر المعرفية والاجتماعية، وربطها عضويا بالديمقراطية, فالاشتراكية والديمقراطية يشكلان معا مشروعا مجتمعيا واحدا في مواجهة المشروع الليبرالي السائد والمهيمن في الاقتصاد و الاجتماع وعلى وعي النخب السياسية النافذة اليوم , والمشروع الاسلاموي ألنكوصي. إننا هنا كيساريين ,حزبيين ومثقفين وحقوقيين ..الخ أمام تحدي ثقافي وإيديولوجي يستدعي من قوى اليسار ونخبه السياسية والفكرية مجهودا نظريا كبيرا من أجل إعادة بناء المرجعية الاشتراكية المؤطرة للممارسة السياسية اليسارية.
3 الاختيار الاستراتيجي : لا شك في أن السيرورة السياسية لبلادنا قد جعلت اليسار المغربي، ومنذ منتصف السبعينات، يتحرر – تدريجيا- من ثنائية ثورة _ إصلاح، ويتبنى عن قناعة الديمقراطية “كوسيلة وغاية” مدخلا نحو تخطي البلاد لواقع الاستبداد بالسلطة، وتجاوز حالة التأخر التاريخي المزمنة . إن هذه السيرورة، وبعد مخاض طويل، استقرت اليوم _وبشكل واضح بعد إقرار الدستور الجديد _ على تبني مختلف أحزاب وفصائل اليسار لإستراتيجية الملكية البرلمانية ،التي يرتهن التقدم في ترجمتها إلى مؤسسات وممارسات وفصل حقيقي بين السلط بقوة وموقع اليسار في المجتمع وداخل حقل التدافع السياسي والديمقراطي الحالي.
4 اختيارات برنامجية متطابقة على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي : ومنها على سبيل المثال :اختيار الاقتصاد المختلط مع الإقرار بضرورة قيام الدولة بالدور الريادي والوازن في قيادة قطار التنمية خاصة ما يرتبط بالمشاريع الكبرى المتعلقة بالبنيات التحتية والتجهيزات الأساسية ,وبمستوى التحكم في التوازنات الاقتصادية، هذا إضافة إلى تطابق برامج اليسار في المجالات الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بمحاربة الفساد واقتصاد الريع وإقرار نظام حماية اجتماعية حقيقية. ولا شك في أن استعادة المكانة المركزية للمسألة الاجتماعية في المشروع السياسي اليساري هو المدخل الرئيس لإعادة بناء المشترك بين فصائل وأحزاب اليسار من جهة ,ومد جسور متينة بينها وبين المجتمع من جهة ثانية.
إن هذه العناصرالمشتركة وغيرها التي تجمع موضوعيا وواقعيا بين قوى اليسار المشتتة، لتشكل قاعدة صلبة لإعادة بناء وهيكلة قوى اليسار المتناثرة ,وربطها بمحيط جماهيري عارم هو في أشد الحاجة إلى قوة تنظيمية مؤطرة ومنظمة لحراكاته من أجل الخبز والشغل والحرية والكرامة ,
إن التجاوز الواعي والإرادي “للعوائق السيكلوجية” والحساسيات الذاتية والحسابات المصلحية الضيقة الأفق يشكل شرطا حيويا لاغنى عنه من أجل ربح هذا الرهان , رهان إعادة بناء المشترك اليساري كمدخل رئيس لأي صيغة وحدوية ممكنة موضوعيا وذاتيا ..