ادريس الاندلسي
الماء جعله الخالق تعالى مصدر كل شيء حي. و كانت بداية استقرار الإنسان و ارتباطه بالأرض عندما أكتشف الزراعة و ضرورة إعطاء الوقت اللازم لنمو النباث لجني المحاصيل. عندما تمطر السماء تسعد القلوب في المدينة و البادية و حب الغيوم المليءة بالماء تجمع عليه كل شعوب الأرض و كذلك الحيوانات . من فرط عشق الأمطار أكتشف الكثير من علماء الطب أن مزج إيقاع نزول قطرات المطر بنغمات موسيقية دواء للسهاد و مساعدا على التخفيف من الآلام. وقيل أن أول مقيم عام فرنسي بالمغرب الجنيرال اليوطي ردد مقولة أن المطر يساعد على إدراة البلاد، أي أنه يمكن السلطة من ضمان بسط سيطرتها و تفعيل دور مؤسساتها و إطالة أمد الإستقرار.
كل هذه المقدمة للقول أن الأمطار التي تتهاطل على بلادنا هذه الأيام تبعث في النفس كل مشاعر الأمل. نعم نوجد في منطقة مناخية صعبة و كل الدراسات تؤكد أن قدرنا يحتم علينا نهج سياسة ماءية تستجيب لأرقى المعايير العلمية العالمية. صحيح أن سياسة السدود كانت و لا زالت سياسة حكيمة و لكن هذه السياسة يجب أن تتبعها سياسات أخرى و متابعة دقيقة في مجال تهيئة المناطق السقوية و في مجال إيصال الماء الصالح للشرب إلى كل مناطق مغربنا. بنينا سدودا و تأخرنا كثيرا في تجهيز اراضيها الفلاحية بوسائل السقي. وضعنا برامجا و خطوط تمويل خارجية في مجال الكهربة القروية و المياه و كتبت تقارير بشرتنا بنسب تنفيذ كبيرة تبين أنها ضعيفة. الموضوع مرتبط بالحكامة القطاعية أكثر من ارتباطه بخطة تمويلية. المؤسسات و الادرات العمومية لا تنسق فيما بينها. ” كل يغني على ليلاه ” و ينتشي بإنتهاء مرحلة تنفيذ مشروع و لا يأبه لأهداف هذا المشروع النهائية، أي وصول الماء إلى السكان مع تثبيت عدادات لمتابعة الاستهلاك. و قد وصل الأمر إلى حد بناء مؤسسات تعليمية دون تزويدها بالمياه و هو ما ساهم في الهدر المدرسي و خصوصا بالنسبة للفتيات. سمعت هذا و رأيته خلال زيارات لمؤسسات تعليمية بالعالم القروي. رأيت مدير مدرسة يتحسر على معاناة تلميذات يمتنعن عن اللجوء إلى دورات المياه في غياب المياه.
إنه وقت التنسيق بين السياسات و تقييمم نجاعتها حتى لا نقول التقاءيتها. إنه وقت الأولوية القصوى لمشاريع تخزين المياه حسن توزيعها و عقلنة استعمالها. شاءت ظروف العمل قبل سنين أن أنكب على موضوع تقييم آثار الاستثمارات العمومية في مجال التجهيزات الماءية. و الغريب أن التقييم البعدي لهذه الاستثمارات شبه غاءب. و حتى المؤسسات التمويلية و على رأسها مجموعة البنك الدولي ناذرا ما تقوم بالتقييم البعدي. هذا العمل يتطلب تدخل خبراء و إجراء دراسات ميدانية و كثيرا من الأبحاث المتعلقة بالتاثير على القطاع الزراعي و مستوى عيش الساكنة ، لذلك لا تجعله المؤسسات الدولية ضمن أولوياتها. و لكن تقييم السياسات و البرامج يجب أن يكون من أولوياتها و يسهر عليه نواب الأمة مع الاستعانة بالخبراء المتمكنين. المطر نعمة تستوجب سياسة عمومية دقيقة الأهداف عميقة التدبير و التقييم.