ليتعلم هؤلاء الذين يتحدثون باسمنا او يزعمون انهم يمثلون معارضة. تدخل يجمع بين حمولة ثقافية غنية ناتجة عن تراكم معرفي وتجربة نضالية وبين القدرة على ترويض اللغة واستبطان واستنباط قدرتها على التعبير الدقيق دون فقدانها لتلك الجمالية التي تخدم تواصلا سلسا ولنقل متعة التلقي. في تدخل ابن طنجة وفخر السياسة في فرنسا، السياسة بمعناها النبيل، تركيبا نموذجيا يخلق تناغما بين النقد والاقتراح. كان لنا شئ من ذلك في زمن مضى قبل ان تتردى الثمثيلية السياسية وتسيطر في المؤسسات “نخبة” لاتذخر جهدا لتدمير او ابعاد نخبة البلاد كي لاينكشف هزالها وتصبح عارية، وقبل ان تصبح الزعامات صناعة في دهاليز من لايمتلكون اي قدرة على التعاطي وهذه الصناعة اصلا ولا يهمهم سوى الامن منظورا ا ليه نظرة ضيقة وقاصرة وخطيرة على المدى البعيد .
في تدخل ميلنشون هناك احياء للنقاش حول التخطيط والمخطط، بمنظور جديد يعتمد مقاربة ديمقراطية تشاركية كما قال، متحديا الموضة التي تعتبر المخطط مناقضا لاقتصاد السوق، وهي فكرة تحفر مجراها بفرنسا اليوم، حيث يعتزم الرئيس ماكرون تعيين الوسطي فرانسوا بايرو، الوزير السابق، كمكلف بالتخطيط. بعد الجائحة تتبين الحاجة الماسة الى مخطط شامل هنا وفي البلدان التي واجهت نتائجها الاقتصادية والاجتماعية وتستعد للتحولات التي فرضتها لامتلاك المستقبل ومنح كل الفاعلين افقا للنظر وعدم البقاء في حدود السياسات قصيرة المدى والبرامج القطاعية التي لاتتوفر امكانيات حقيقية لتنسيقها وتحقيق الالتقائية بينها. من المؤكد ان من يرغبون في بقاء الغموض وضعف التتبع والتقييم وتقديم الحساب في الادارات ومن يسعون الى ترك الحبل على الغارب وممارسة مختلف انواع الغش وخرق كل القواعد وانتهاز الفرص وافساد كل شئ في سوق فوضوية سيحاربون بما اوتوا اي توجه للخروج من دائرة الغموض والسعي الى مستقبل منظور للجميع وليس لاصحاب المصالح الريعية الطاغية، بالمعنى الدقيق للطغيان، وسيسخرون لذلك ادواتهم، بما فيها اعلام مسخر لنشر الفكر الوحيد وممارسة الوصاية بادعاء المعرفة، بلا هوادة.
محمد نجيب كومينة / الرباط