قد تختلف عناوين الصحف الوطنية، حزبية كانت أو مستقلة، في مرجعياتها، أساليبها، اهتماماتها أو خطها التحريري، غير أنها تشترك خلال شهر رمضان الأبرك في سمة بارزة اعتاد عليها القارئ، لاسيما الشغوفون بمطالعة صفحات الجرائد خلال شهر الصيام: إنها الملاحق أو الزوايا التي تفردها المنابر الورقية لتناول مواضيع تتراوح بين ما هو فكري، ثقافي، سياسي، علمي، أو ترفيهي.
فتحت مسميات من قبيل “فسحة رمضان” كما في جريدة (المساء)، و “واحة رمضان” (بيان اليوم)، أو “بستان رمضان” (رسالة الأمة)، تقترح الصحافة الورقية باقة متنوعة من المواضيع التي تروم في معظمها الترويح على القراء “الرمضانيين” وتسليتهم، أو إعمال فكرهم وتزويدهم بمعارف ومدارك، من خلال إضاءات وأعمدة تغري بالمطالعة.
ولعل أبرز ما تستعين به العناوين الورقية لاستقطاب القراء خلال شهر الصيام، هو السلاسل الحوارية التي تبرمجها ضمن ملاحقها مع عدد من الشخصيات التي تختارها بعناية لسرد سيرتها الذاتية أو استعراض وقائع تاريخية كانت شاهدة عليها، الأمر الذي تشترك فيه مع الكثير من المنابر الرقمية و”قنوات اليوتيوب” التي أضحت تعي، هي الأخرى، شغف المشاهدين بمتابعة حوارات مع شخصيات من عوالم الفن، السياسة أو الرياضة، وما يصاحب ذلك من إثارة وإماطة اللثام عن معطيات مشوقة.
لكن، وفي سياق ثورة المواد السمعية -البصرية التي تعج بها مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الإلكترونية، والتي تكتسي في غالبيتها طابع الإثارة والإبهار ودغدغة المشاعر، من خلال عناوين رنانة عادة ما تكون غير متوافقة مع مضمون المادة المقدمة، ي طرح بإلحاح سؤال مدى قدرة الملاحق الرمضانية على استقطاب أكبر عدد من القراء وجعلهم أوفياء لمضامينها في زمن المعلومة الرقمية السريعة؟
كما يجوز التساؤل حول ما إذا كانت الصحف الورقية تمتلك الآليات التي تمكنها من إضفاء جاذبية أكبر على هذه المواد في وقت أضحى فيه الهاتف المحمول المرتبط بشبكة الأنترنيت والأخبار التي يتم ترويجها عبر تطبيقاته أبرز ما يشغل الحيز الأكبر من وقت المغاربة، لاسيما في ظل الأزمة التي أضحى شبحها يخيم على مستقبل الصحافة الورقية ككل، ليس بالمغرب فحسب، بل في مختلف بلدان المعمور.
وهنا، يتعين القول إن الصحف الوطنية دأبت بمختلف مشاربها على استقبال الشهر الفضيل بحلة جديدة جوهرها “الفسحة الرمضانية”، والتي لطالما كانت عبارة عن باقة متنوعة من العناوين الخبرية والمعرفية التي تروي ظمأ القارئ ويجد فيها ضالته خلال الأيام الرمضانية، التي تبرز فيها الحاجة إلى الزاد الفكري والمعرفي كالحاجة إلى الزاد الروحي، لاسيما وأن وقت الفراغ يتسع خلال هذا الشهر.
هكذا، وأنت تتصفح الجرائد الوطنية في شهر رمضان تكاد لا تجد واحدة منها بدون ملحق رمضاني يغري بتوضيبه وأعمدته وصوره، ويحتوي على فسيفساء بهيجة من الأخبار والمعلومات والمعطيات التي قد لا تجد لها خيطا ناظما في الكثير من الأحيان، سوى أنها و ضعت جميعها ضمن وعاء واحد دأبت الصحف على تسميته بـ “فسحة رمضان”.
وفي هذا الباب، يقول السيد محمد الركراكي أستاذ الصحافة المكتوبة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال إن الملاحق والصفحات الرمضانية التي تعد تقليدا صحفيا قديما يعود لستينيات القرن الماضي، أضحت اليوم تعرف نوعا من التجديد من حيث أجناسها وأساليبها، لاسيما من خلال التركيز على الاستطلاعات والتحقيقات والحوارات مع شخصيات سياسية وثقافية أو اجتماعية، وكذا عبر تجديد المضامين الأكثر جذبا للقراء.
واعتبر الأستاذ الركراكي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أنه عكس ما يقال حول “الموت السريري للصحافة الورقية” أو “انكماش سوق العناوين الصحفية”، فإن منسوب القراءة في شهر الصيام يرتفع نسبيا بفعل توفر الوقت والتوجه الذي أضحى سائدا لدى الكثير من المغاربة نحو القراءة في أوقات الفراغ، علما بأن الأوفياء لمطالعة أعمدة الصحف لا تغريهم الهواتف الذكية ولا تثنيهم عن تصفح الجريدة في رمضان كما في سائر الأيام.
ومع ذلك – يضيف الباحث الإعلامي- فإن الصحافة الوطنية بكل ما تعرضه من ملاحق ومواد جذابة، تظل عاجزة على مجاراة ما يبث على مواقع التواصل الاجتماعي والمنابر الرقمية التي توفر للقارئ أو المشاهد المعلومة السريعة والولوج اليسير لها بكلفة أقل نسبيا، فهو إذن “سباق محموم وقوي لا يمكن للصحافة الورقية أن تربح معركته”، حتى وإن كانت تستقطب الاهتمام وتثير الجدل والنقاش السياسي والفكري لدى مختلف شرائح المجتمع.
وهنا، يرى الكثير من المتابعين والمهتمين بالشأن الإعلامي أن تنويع المضامين وتقديم طبق قوامه مجموعة من الأجناس الصحفية، خاصة في شهر رمضان، لا يجدي كثيرا في استقطاب أعداد أكبر من القراء، لاسيما في صفوف الشباب الذين يعتبرون الفئة الأكثر استهلاكا للمواد الخبرية المتداولة على الشبكة العنكبوتية ومختلف تطبيقات التواصل الاجتماعي.
وفي هذا السياق، يذهب هؤلاء، إلى التأكيد على أن الكثير من الصحف الورقية ظلت رهينة قالب موحد ونمطي لم يخضع للتجديد منذ وقت طويل، رغم الطفرة النوعية التي شهدها مجال صناعة المضمون الخبري، بل إن الكثير من مكونات ملاحقها لا تعدو أن تكون مادة تم التقاطها من الأنترنيت أو نشرا لمقتطفات من إصدار، مذكرات أو سيرة ذاتية. وفي الواقع، فإن الحديث عن “الركن الرمضاني في الجرائد” يظل رهينا بطرح إشكالية مقروئية العناوين الورقية ككل، وكذا واقع سوق الصحافة المكتوبة، التي أضحت اليوم أكثر من أي وقت مضى، ملزمة بتطوير أساليبها والرقي بأدائها من أجل مواكبة الوتيرة السريعة التي تفرضها المعلومة الرقمية وقوة الخبر المصور الآني والحي.
وهنا، يطرح التساؤل مرة أخرى: هل أضحت “فسحة رمضان” بحق فرصة بالنسبة للعناوين الورقية تتيح لها استثمار ما تمتلكه من عناصر إغراء لاستقطاب القارئ المغربي، أم أنها لا تعدو كونها عرفا وتقليدا صحفيا قديما تتوخى من خلاله الإبقاء، بالكاد، على ما تبقى من قرائها الأوفياء في زمن أضحى فيه الرقمي هو لغة العصر.
و م ع