في كل المدن المغربية، صنع شيوخ الملحون عبر قصائدهم التي تخلد للزمن الجميل، تراثا لاماديا يختلف من مدينة إلى أخرى ومن مدشر إلى آخر، فإذا كانت مراكش وفاس وتافيلالت وأزمور وتارودانت ومكناس موطن هذا الفن الأصيل، فإن امتداداته وأجنحته الشعرية حلقت على امتداد جغرافية هذا الوطن.
ويشكل هذا التراث الفني الأصيل، أحد صفحات هوية وذاكرة مراكش العتيقة التي تختزل 12 قرنا من تاريخ المغرب، بعد أن كان ملجأ الحرفي و”الصنايعي” للتنفيس عن الذات والاستراحة من العمل.
من خلال هذه الفسحة الرمضانية نقف عن الرجالات المخلصين لفن الملحون، الذين أفنوا سنوات عمرهم في خدمة هذا الفن الشعبي الأصيل الذي يتوخى تسجيله كتراث إنساني ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو”، سواء بمدينة مراكش وغيرها من المدن المغربية التي اشتهرت بفن الكلام المرصع خصوصا في شقه التراثي المتعلق بفن الملحون، كما نسلط الضوء على هذا الفن الشعري والإنشادي والغنائي المتميز الذي يختزل مقومات الثقافة المغربية العربية والأمازيغية والأندلسية ومظاهر حياتها الأصيلة.
أحمد بدناوي أحد شيوخ السجية المعاصرين
يعتبر الشيخ أحمد بدناوي أحد أعمدة فن الملحون بالمغرب، من مواليد سنة 1964 في مدينة مراكش، ترعرع في أسرة متوسطة الحال، ركز حضوره في الساحة التراثية واهتمامه بالموروث الثقافي اللامادي والراقي وبنجومه الأعلام.
كان والده صانعا تقليديا بأحد أسواق المدينة العتيقة لمراكش، وأمه ربة بيت تقليدية، وفرت له أسرته إمكانية متابعة دراسته الى أن حصل على شهادة الباكالوريا ليلتحق بالدراسة الجامعية، غير أن عشقه لإنشاد قصائد الملحون، الذي كان قد بدأ عنده منذ كان تلميذا بالتعليم الإعدادي، تمكن منه تمكنا قويا، بحيث أصبح لايهتم سوى بهذه الوريقات التي تضم قصائد الملحون، وأضحى لايجالس الا”شيوخ لكريحة” المنشدين المتميزين بأصواتهم الجميلة وأدائهم الرائع، من أمثال الحاج امحمد بن عمر الملحوني، وأحمد الزاهني بقجاح، ومحمد بوستة الصويطة، وأخوه عبد العزيز الدخيم ومحمد مع أحمد أمنزو، وذلك بعد ما ارتبط بالجمعيات التي ينتسب اليها هؤلاء الشيوخ.
شارك في تأسيس جمعية “اليوسفي” التي تعنى بفن الملحون سنة 1993، كما شارك في تأسيس جمعية “الشيخ بوستة لطرب الملحون” سنة 2010 وهي الجمعية التي كان وما يزال يمثل شاعرها التي تتغنى بقصائده وسرباته.
يصنف الشاعر الشيخ أحمد بدناوي أحد أبرز رجالات المشهد الفني المغربي في شقه التراثي المتعلق بفن الملحون، إلى جانب شيوخ كبار ساهموا، بأعمالهم الفنية، في صيانة هذا الفن الأصيل الذي يصنف ضمن التراث الفني المغربي الغني والمتنوع.
إضافة إلى كونه شاعر، فهو أيضا عازف موسيقي من الوزن الثقيل، يعزف على كل الآلات تقريبا، مما يجعله من الشيوخ المتميزين أيضا في إنشاد قصائد الملحون الذي نجده عالما بلغته وطرق نظمه وبحوره وكل ما يتعلق بهذا الفن المغربي الأصيل.
تحسب للشيخ أحمد بدناوي عطاءاته وإسهاماته في إشعاع فن الملحون من خلال أعمال فنية جدد من خلالها مرتكزات هذا الفن، كما حافظ على أصوله المتمثلة في الموروث الملحوني الذي خلفه الشيوخ الكبار.
حسب المتتبعين للمشهد الفني المغربي، ساهم الشيخ أحمد بدناوي في إثراء هذا اللون الفني الأصيل وضمان استمراريته في ساحة هبت عليها رياح التغيير والتغريب من كل جانب، كما عمل على تجديد فن الملحون، الذي شكل عبر قرون رافدا أساسيا ومهما ضمن الموروث الفني والموسيقي المغربي، فقدمه للجمهور في توليفة فنية متجددة قربته إلى عشاق الفن بالمغرب قديمه وجديده.