إدريس الأندلسي
من الطرب إلى جمال الصورة ثم إلى سمو الثقافة حملت كل الجسور تعبيرات فنية من حرام إلى مستحب و مقبول فغير محرم و عنوان لاختيار كان إلى أمس قريب تحكمه “هيئات ” نهي عن المنكر”. تم تكليف المستشار تركي آل الشيخ بمجال كبير يتجاوز تأثيره كل القطاعات. الترفيه على الشعب السعودي أصبح سياسة عمومية تمت مرافقتها بانفتاح ثقافي و فكري و كسر لكل الأقفال التى أحكم اغلاقها في عهد مضى. الأصداء تشير أن شباب السعودية أنتظر منذ زمن طويل لحظة الترفيه في بلده بدل السفر بعيدا.
الغناء الطربي و السينما و كل انواع التعبير أصبحت حاضرة بقوة الإرادة السياسية في المملكة العربية السعودية. الأمر أكبر من مجرد تظاهرات فنية تفتح الأبواب على الأزياء العالمية العصرية جدا و أشكال التعبير الغربية و كل آلياتها المنفتحة كثيرا . الأمر كما قال أحد المدعوين، للحفل الكبير ليوم السبت ، “يعبر عن تغيير كبير” . كثيرات هن الجميلات والأنيقات من بيروت و القاهرة ومن بلاد أوروبا اللواتي اثتن هذا الحفل . ظهرت بعضهن بصدور منتفخة تجاوزت مقاييس الفساتين. و كانت الكاميرات تبين حرية المخرج في الإختيار . خلال فترة إستقبال نجوم حفل الرياض الكبير كانت أسئلة ” الصحافيات و الصحافيين ” للنجوم و النجمات تتركز على إختيار من يصفف الشعر و من يتقن فن الماكياج و من يقوم بتصميم الأزياء الشفافة. لغة الصحافيات خفيفة ظريفة و يصاحبها ظهور فنانين من مصر و لبنان و قليلا من شخصيات المغرب الكبير. إطلالة حكيمي أضفت نكهة رياضية اعطتها الصحافيات لمسة إعجاب بالكرة المستديرة كفن ملهم لعاشقين كثر اعجبهم تكريم ” مرضي أمه ” و صاحب السرعة الفائقة خلال الهجوم المرتد . الأسئلة غابت عنها أعماق الثقافة و ظهرت مقاييس أخرى للتميز خارج التعبير الفني الثقافي ذو الانتماء إلى عهد الخلق و الإبداع. رحم الله يوسف وهبي و نجيب الريحاني و مبدعين في زمن قيل أنه جميل. و تمنياتنا أن يشمل الترفيه تعبيرات ثقافية اخرة و عميقة و من المؤكد أن المستحيل ممكن في ظل ديناميكية القرار حاليا.
تابعت الحدث الفني على م ب س 5 . و يظهر أن الإحتفال الذي انطلق قبل الحفل ركز على تقديم نجوم و نجمات بطريقة مهنية. عشرات الكاميرات و المقدمات تفاعلن مع وصول من تم وصفهن بالنجمات. التركيز على مجاملات نجوم و نجمات يظهر أنه جزء من خط تحريري. الجميل هو أن الصحافيات و الفنانين يرددن بعض الأدعية لنجاح فيلم أو مسلسل أو أغنية مع التركيز على لون فستان و جمال خاتم و سوار و عقود تزين ” صدور الغيد”. المهم هو أن تكون الاطلالة جميلة.
الصور جميلة و تدفع بكل من عايش فترات تاريخ منطقة الخليج و خصوصا في المملكة العربية السعودية إلى الكثير من الاندهاش. الأمر يحتاج إلى الكثير من التفكير السياسي. منذ 2011 تغيرت العلاقات و دخل الموضوع الثقافي و حتى الايديولوجي في سجل الاختيارات التي تصنع مقاييس الرضا المرتبط بتغيير مناهج التربية و التعليم لحجم و دك حصون الحركات الإسلاموية. بسرعة مدهشة تراجعت هيمنة الوهابية في المملكة العربية السعودية و اختفى اؤلئك الذين كانوا يثيرون الرعب في شوارع جدة و الرياض حين يرفع الأذان للصلاة. و كثير من زوار جدة من غير المسلمين جربوا همجية عصابات الأمر بالمعروف . كانوا يحملون العصي و اعتدوا حتى عائلات ديبلوماسيين و بعض زوار هذه المدينة دافعوا عن نفسهم بطريقة حربية و بطولية أمام همجية بدائية. ويظل سؤال دوام هذا الوضع مشروعا بكل المقاييس في ظل انتكاسات عرفتها دول من المنطقة.
المملكة العربية السعودية عاشت عقودا من التقييد على الحريات الشخصية المرتبطة باختيار نمط عيش و تعبير. و أدى هذا الوضع إلى ظهور سلوكيات لمواجهة شرطة دينية انهكت المواطنين و رفعت درجة رفضها ثقافيا و اجتماعيا. من حق المواطن أن يعيش حياته دون وصاية على حركاته و سكناته و حتى على أحلامه. سألت بعض المقيمين بالسعودية عن التحولات الحالية فاكدوا لي أن غالبية الأسر السعودية بدأت تحب العيش في البلاد بدل السفر إلى الخارج للإفلات من رقابة على الفكر و السلوك و الهندام. أما الحريات السياسية فذاك موضوع آخر يخضع لعوامل أخرى في كافة بلدان المنطقة العربية.
أعرف كثيرا من مثقفي و مواطني المملكة العربية السعودية و أعرف أن مستوى التفكير لديهم عال و منفتح. كثير منهم يناصر المنهج الجديد الذي أرسى دعائمه ولي العهد محمد بن سلمان. هذا المنهج متعدد الأبعاد. و ستظهر نتائجه قريبا على الصعيد الإقتصادي و العلمي و التكنولوجي. حفل كبير للتميز في التمثيل و الإخراج و الغناء بالرياض لا يمكن أن تتم قراءته خارج التحولات التي يعرفها البلد الأكبر في الخليج. المهم هو أن ينصب التحليل على ربط الثقافي بالسياسي و بالعلاقات الدولية في تعقيداتها و طبيعة مصالح القوى العظمى و خصوصا حين يتعلق الأمر بالقدرة على إتخاذ القرار الوطني.
ما إجمالي الحرية في وطن حر و ما أجمل التعبير عن الإختلاف بدون مساحيق التجميل و لا عبارات بلاغية و لكن بفعل في تغيير الواقع. التعبير الحر لا يمكن أن يحضر دون صحافة حرة . التعبير الحر، أي الذي يمتلك أدوات النقد، هو ذلك الذي يجتهد لتحصين الوطن عبر تغيير نظرة المواطن إلى واقعه. الحرية ليست شعارا و لكنها أسلوب في الحياة. كثيرا من الظواهر السلبية تتخفى خلف انعدام الحرية و يتمنى أصحابها أن يظل الأمر على ما هو عليه. الحرية تتطلب جرعة كبيرة من المسؤولية حتى تصبح سلوكا و مثالا يتبعه الكثيرون. مشكلتنا في ضعف قدرتنا على مواجهتنا للنفاق الذي طالت سيطرته على الأفعال و العقول و حان الوقت لمواجته بكل الوسائل. الحرية تطلب من الجميع أن لا يحتفلوا بها عبر مهرجانات و لكن أن يدخلوها إلى المحاكم و المدارس و الوزارات و المستشفيات و الأسر و الأسواق. لكل هذا و جب الإحتفال في كافة العواصم بكثير من الوعي بأهمية التغيير و بإصرار على تصعيد المواطن إلى درجة فاعل. مرحبا بكل مشروع يرفه عن مواطن يكاد يخفي حقده على وطن لا يهديه في اعياده إلى تمنيات بزيادة قدرته على الصبر. الترفيه من حق الجميع كما هي حقوق الإنسان في كافة المجالات.