في أول لقاء لي بالمفكر الشيوعي اللبناني مهدي عامل كان بالذات عام 1987 بمقهى “هافانا” بدمشق. اللقاء كان صدفة في موعد جرى فيه الاتفاق مع الدكتور طيب تيزيني لآخذه معي إلى مجلة الحرية الفلسطينية، حيث كلفت من قبل رئيس التحرير بمهمة الاتصال به باعتباره استاذي في مادة الفلسفة، بغاية إلقاء محاضرة أذكر جيدا أن عنوانها كان هو “ابن خلدون راهنا” في إطار أنشطة كانت مجلة الحرية ترمي من ورائها تقوية الجانب الفكري لدى صحفييها. عندما ولجت المقهى وجدت طيب تيزيني يصغي إلى مهدي عامل حيث كان يجلس رفقته، فوقفت أنظر إليهما، و لما رآني طيب تيزيني قال تفضل، فقدم لي المفكر عامل و قال له بأنني مغربي طالب لديه، و في نفس الوقت، صحفي في مجلة الحرية و مراسل انوال المغربية، و قال لي مهدي عامل: “أهلا فيك”، فيما كنت منشرحا لهذه الصدفة السعيدة، جلست و انضبطت لايقاع تيزيني في الاصغاء لشروحات مهدي عامل للوضع السياسي في لبنان و للتهديدات التي تستهدف الحزب الشيوعي اللبناني و قادته المتنورين، و كانت تلك اللحظة قد سبقت اغتيال المفكر حسين مروة بأسبوع كامل، و عندما حان الوقت لكي أغادر رفقة تيزيني باتجاه مقر الحرية، طلبت من مهدي عامل لقاء لاجراء حوار مطول لفائدة أنوال، فعبر لي عن سروره بإجراء هذا الحوار و وعدني الرجل انه بعد عودته قريبا الى دمشق، سيتصل بي لكي ننجز معه الحوار المأمول. لكن ماذا جرى بعد أسبوع من التعرف عليه؟ أصوليو الحركة الظلامية الذين تربطهم علاقات قوية مع النظام السوري، يقتلون المفكر حسين مروة و زوجته بكاتم الصوت داحل غرفة نومه و في لحظة نوم ، ما ترك آلاما قوية في أوساط الحركات التقدمية، و بعدها هددوا في حال دفن جثة مروة،سيعمدون إلى اختطافها و الرمي بها خارج لبنان، ما دفع بالحزب الشيوعي اللبناني إلى دفنه في دمشق بمقبرة مخيم السيدة زينب. ذهبت رفقة المفكر سلامة كيلا لحضور مراسيم الدفن، هناك سالتقي من جديد بمهدي عامل و سيطمئنني على امكانية الحوار عند مجيئه للمرة القادمة، مباشرة و بمجرد دفن جثة مروة سيلقي المفكر طيب تيزيني كلمة تأبين باسم الحركة التقدمية، تليه وزيرة الثقافة الأسبق ليلى عطار التي كان نظامها موغل في مساندة الظلاميين، و فيما بعد نودي على الشاعر المصري احمد فؤاد نجم لإلقاء كلمته كما كان مبرمجا لها، فلم يظهر له أثر و استفسر الكثيرون عن سبب اختفائه، فاخد مهدي عامل الكلمة التي أبن فيها شهيد الفكر التقدمي، فكانت نبرته حادة حيث فضح بقوة القوى الظلامية اللبنانية فيما وضع الكثير من الحاضرين أيديهم على قلوبهم، مستنتجين أن هذه الكلمة قد تجر على مهدي حقدا أعمى سيؤدي بالظلاميين إلى تصفيته جسديا، و هذا فعلا ما حصل بعد أسبوع من عودته إلى بيروت حيث قاما شخصان، كانا على متن دراجة نارية بتصفيته، إذ أطلق أحدهما الرصاص من مسدسه ليرديه قتيلا. لحظة سماعي الخبر يوم كنت أقطن بمنزل المفكر سلامة كيلا، انتابني التباس حول اسم المقتول عندما بث الخبر ليذكر بان الضحية اسمه حسن عبد الله حمدان، و في تلك اللحظة لم أكن اعرف أن الاسم الحقيقي لمهدي عامل هو حسن عبدالله حمدان، فسألت سلامة كيلا عمن يكون هذا القيادي البارز في الحزب الشيوعي اللبناني الذي لا اعرفه، إنه مهدي عامل، اجابني، و هنا سأشعر بآلام كبرى، و بخسارة فادحة تمنى بها الحر كة التنويرية و التقدمية، و في لحظة تكاثرت فيها مشاعر الحزن سأستدرك: ياه، رحلت أبا عامل رحلت دون أن نلتقي لاجراء الحوار.
المصطفى روض