عندما يتعلق الأمر بالضرائب فإن الدولة المغربية لا تتهاون في فرضها وجمعها بكل الوسائل الممكنة لكنها في المقابل تتلكأ في تقديم الخدمات التي تبرر هذا الاستنزاف المالي المستمر المواطن المغربي سواء كان أجيرا تاجرا أو حتى مستهلكا بسيطا يدفع ضريبة على كل شيء تقريبا على الدخل على الممتلكات على المواد الاستهلاكية على الخدمات بل حتى على الهواء الذي يتنفسه لكن السؤال الذي يظل معلقا دون إجابة أين تذهب هذه الأموال
الموظف يجد جزءا كبيرا من راتبه يذهب مباشرة إلى خزينة الضرائب قبل أن يصل إلى يده التاجر يرهق بالضرائب المباشرة وغير المباشرة وصاحب السيارة يدفع ضرائب الطريق لكنه يسير على طرق محفرة وخطيرة حتى المواطن البسيط الذي يشتري قوته اليومي يدفع ضريبة غير مرئية مدمجة في كل الأسعار تحت مسمى الضريبة على القيمة المضافة المواطن يوميا يدفع الضرائب على القيمة المضافة في أكله وشربه وتنقله
كل هذا يحصل بينما القطاعات الكبرى والشركات العملاقة وأصحاب الثروات الضخمة يستفيدون من إعفاءات وتسهيلات وكأنهم طبقة محصنة ضد هذا العبء النتيجة الفقير يزداد فقرا والطبقة المتوسطة تتآكل والأغنياء يزدادون غنى بفضل نظام ضريبي غير عادل وغير متوازن
لو كانت الضرائب تؤدي إلى مستشفيات مجهزة وتعليم جيد مجاني وبنية تحتية محترمة ونقل عمومي يليق بالمواطن لكان الجميع راضيا لكن الواقع مختلف تماما
المدارس العمومية تفتقر إلى المعلمين والتجهيزات وحتى الحد الأدنى من شروط التعلم مما يدفع الأسر إلى اللجوء إلى التعليم الخاص وتحمل أعباء إضافية
المستشفيات العمومية تعاني الاكتظاظ وقلة الأطباء ونقص المعدات وتردي الخدمات ما يجعل المواطن مضطرا للذهاب إلى المصحات الخاصة ودفع مبالغ ضخمة رغم أنه يدفع الضرائب من أجل خدمة صحية عامة
رغم الضرائب المفروضة على السيارات والطرق تبقى الطرقات في حالة سيئة والجسور تنهار والأرصفة مهترئة أين تذهب تلك الأموال
لا كهرباء مستقرة ولا نظافة في الأحياء ولا أمن كاف بينما المواطن هو الذي يدفع رواتب الموظفين العموميين الذين من المفترض أن يسهروا على راحته
المشكلة ليست في فرض الضرائب بحد ذاتها بل في غياب العدالة في توزيع العبء الضريبي وسوء تدبير الأموال المحصلة في المغرب يطلب من المواطن أن يكون مواطنا صالحا يدفع ضرائبه بانتظام لكن الدولة لا تلتزم بتوفير أدنى مقومات العيش الكريم والأسوأ أن أي محاولة لمساءلة هذا الوضع تواجه إما بالصمت أو بتبريرات واهية عن الإصلاحات التي لا تأتي أبدا
المغاربة لا يرفضون أداء الضرائب بل يريدون أن يعرفوا أين تذهب أموالهم لماذا لا يتم نشر ميزانية واضحة ومفصلة حول أوجه صرفها لماذا تستمر الامتيازات لأصحاب النفوذ بينما يرهق المواطن العادي بالاقتطاعات إلى متى سيدفع المواطن المغربي ضرائب لدولة لا تقدم له سوى الوعود والتبريرات
في ظل هذا الواقع يشعر المواطن المغربي بأنه مجرد آلة لدفع الضرائب دون أن يلقى أي مردود حقيقي ينعكس على مستوى معيشته أو يوفر له الحد الأدنى من الخدمات الأساسية التي يجب أن تضمنها الدولة فإلى متى سيظل هذا الاستنزاف مستمرا دون رقابة ومحاسبة وإصلاح حقيقي
المطلوب اليوم ليس فقط مراجعة نسب الضرائب ولكن الأهم هو تحقيق العدالة الضريبية فلا يعقل أن يتحمل المواطن البسيط العبء الأكبر بينما تنعم الشركات الكبرى بالإعفاءات والامتيازات كما أن الضرائب يجب أن تترجم إلى مشاريع تنموية حقيقية يستفيد منها الجميع وليس مجرد أرقام تضاف إلى ميزانيات غامضة لا يعرف المواطن أين تصرف
المغاربة لم يعودوا يطلبون سوى حقهم في العيش الكريم مقابل ما يدفعونه من ضرائب يريدون مستشفيات تليق بهم وتعليما يضمن مستقبل أبنائهم وبنية تحتية تحترم آدميتهم يريدون أن يروا أموالهم وهي تعود إليهم في شكل خدمات حقيقية لا أن تختفي في حسابات مجهولة أو تذهب لتمويل مصالح خاصة تحت غطاء المصلحة العامة
إذا استمرت الدولة في تجاهل هذه المطالب وإذا استمر المواطن في الشعور بأنه مجرد خزينة متنقلة تمتص الدولة مدخراته دون أي مردود فإن فقدان الثقة سيتعمق أكثر وستصبح كل الشعارات عن الإصلاح والتنمية مجرد كلمات جوفاء لا تعني شيئا لمن يعاني يوميا من ثقل الضرائب وسوء الخدمات