النبوغ المغربي الجديد و منشور أسطورة المغرب الذي نريد مابعد كورونا ؟؟؟
” يخيل إلي بأننا نشارك في مسرحية نعرف مخرجها لكننا لانعرف نصها ولا الممثلين المشاركين معنا فيها، مسرحية يطلب منا فيها أن نلبس ثيابا معينة ونجلس بشكل معين، ونأكل مايوضع أمامنا بحذر واحتشام،وحين ينتهي العرض علينا بغلق أفواهنا،هذا كل مافي الأمر” رواية المغاربة للروائي المغربي عبد الكريم الجويطي
كثيرا مايتدوال عبر الفايس بوك منشورات تدعو للتضامن مع قضية ما أو الدعوة لجميع توقيعات للثأتير في جهة ما.غالبا ماآخذ المسافة مع ذلك.احتكم لعقلي ولقناعتي الفردية في اتخاذ موقف ما. علما أن هذه المنشورات تأتي فجأة ومصدرها مجهول.ربما وعيي السياسي الذي تشربت عليه، يجبرني أن أنصت مليا واستوعب الخطاب، بعد ذلك أقوم بجمع المعطيات والمؤشرات لكي أبني رأيا ثم اتخذ موقفا. حسب فهمي الضعيف، يبنى الموقف بمعرفة ولايتأسس على طوفان جماعي انطباعي .هذا لايعني أن ماينشره جل الأصدقاء والصديقات على صفحاتهم، يبخس من وعيهم وينتقص من وطنيتهم.بالعكس ،أنا من مدافعي عن حرية الرأي والتعبير بما فيها الحريات الفردية، وغالبا ماأتفاعل مع تلك المنشورات حتى وإن لم أتفق مع حيثياتها.فقط التدوينات التي تسبح في الكراهية والعدمية والشتم وتضخم الأنا العليلة والممزقة وتبحر في حياة الناس الخاصة.لاتهمني ولاتعنيني.وأنا لست مخبرا سريا في إدارة العامة للأمن الوطني أو رقاصا ناقل أخبار مقدم الحي..
لماذا هذا الكلام وما الجدوى منه؟؟؟
توقفت مليا عند منشور على صفحات الفيسبوك ، في سطره الأخير، يدعوك لنسخه ونشره مرفوق بصورة شخصية.فحوى هذا المنشور الغارق في الطوباوية يتضمن مايلي:
<يقولون ماهي إلا مرحلة وسنعود لحياتنا الطبيعية،لكن نحن لانرى العودة إلى حياتنا القديمة فهي ليست طبيعية ـ نريد العودة إلى مغرب جديد تتكافىء فيه الفرص ويتساوى الجميع.اقتصاد جديد.تعليم جديد صحة جديدة. برامج إعلامية جديدة إلى أخر سلة من المتمنيات.>.نرسم مغربا ساحرا في قارة خيالنا.لكن المنشور لم يطرح كيف سنبني هذا المغرب المتساوي في الثروات والعادل مع كل شرائحه المجتمعية؟؟؟
يوميا، وعبر المواقع التواصل الاجتماعي،يمرر هذا الخطاب الحالم بوعي أو بدون وعي.لكن دروس التاريخ علمتنا ولازالت، أن بناء المجتمعات وتحديثها وتقوية بنياتها، يمرعبر انخراط المواطن وأجهزته التمثيلية في المؤسسات الشرعية. فاعلا كان أم معارضا.فإما أن نكون في قلب التغيير أو نكون خارج التغيير ونترك قوة الدولة، كحارسة ومنظمة ومشرعة لمصائرنا خارج إرادتنا، ونأتي في لحظات الأزمات والكوارث والتيهان،لنلعن كل شيء، ونتسلح بمنشورات أسطورية نخط فيها كل الكوابيس والأحلام التي لن تتحقق أبدا، إذا لم نساهم جميعا في بناء المغرب الجديد مابعد كورونا كما يدعو المنشور الحالم.
ليس هنالك من مخرج لمغرب مابعد كورونا،إلا باستعادتنا لحقوقنا المواطنية التي تركناها في الرفوف المغبرة، ووضعناها طبقا من ذهب لدى من يدبر أمورنا كيف ما شاء.أودعنا قضايانا وأحلام أبناء مجتمعنا في سلة المهملات.نحن مجرد ظرف بريدي بلاعنوان،تتقاذفه إدارات ومصالح، بنيت بعقل بيروقراطي وحولها البعض لضيعات خاصة،يسيرها بمنطق تسيير حساب بنكي خاص.
ـ مغرب مابعد كورورنا، يتطلب التسجيل في اللاوائح الانتخابية والذهاب نحو صناديق الاقتراع.
ـ مغرب مابعد كورونا، يتوقف على انخراطنا في المؤسسات الحزبية والنقابية والمدنية.وكل واحد له حرية الاختيار في ذلك.
ـ مغرب مابعد كورونا،ينهض على انخراطنا ومساهمتنا في تدبير الشأن العام..
ـ مغرب مابعد كورونا،يرتكز على محاسبتنا المستمرة لمن يتكلم باسمنا ويطبق قرارات لم نستشار فيها ونحن خشع في صلاة الغائب.
ـ مغرب مابعد كورونا،يتأسس على تجديد النخب السياسية والنقابية والثقافية والمدنية التي انتهت صلاحية عقلها وتقادمت برامجها المجتمعية وقدمت ما في جعبتها ولم يعد أمامها سوى الانزياح وترك المجال للنبوغ المغربي الجديد، لكي يؤدي أدواره التاريخية والمجتمعية. فأجيال اليوم،تنتظر منا من يحملها لضفاف أكثر عدالة وأوسع حقوقا.تنتظرنا أن نودع جلباب الطهرانية وزهد المتصوفة.مغرب مابعد كورونا بحاجة لمواطن مساهم لا مواطن مجاور…
ـ مغرب مابعد كورونا،يدعو الكل من موقعه،ليطرح هذه النويا الحالمة المنتشرة على صفحات الفايس بوك وتجريبها في أرض الواقع.فخطاب النوايا شيء.وخطاب الواقع المر شيء آخر.فعلم السياسية في نهاية المطاف،هوتدبير شؤون الناس بواسطة من نختارهم بكل حرية .
ستقولون لي،اللعبة فاسدة والحياة الحزبية مشلولة.إوا من بعد ؟؟ من سيعيد الأمور لجادة الصواب؟؟
هادشي للي عطا الله. إما أن نلج صهد الانخراط المواطني وأن نضع الجنة الفاضلة في محك الصراع المجتمعي وأن نختبر فيها قيمنا الفضلى المثالية أمام مغريات المسؤولية العمومية والمال والجاه والسلطة والريع، فأمام المسؤولية والمال يختبر المسيح الدجال سر دعوته الملفقة . وإما أن نستكين للعب البطل الوهمي والبطلة الضحية، بطلان منهوكان يطمحان لتغيير مغرب مابعد كورنا دون أن يساهما فيه وإلا سنعود لحياتنا القديمة.تصور بطولي هلامي للوطنية،لا تحضنه سوى أحلام فايسبوكية. في نهاية الأمر،مواقع التواصل الاجتماعي،أداة لنقل أوجاعنا ومطالبنا،صعب علينا تحقيقها في أرض الواقع، لكن تقترح للتنفيذ عبر العالم الافتراضي. ولازلنا نرددها حتى أغمي علينا من كثرة النسخ والنشر.لاشيء تغير.فقط الصورة المرفقة مع المنشور، تشققت وهرمت .استوطن الشيب في الرأس ووشمت التجاعيد من فرط انتظار المهدي المنتظر،لكي ينقلنا لجنة عدن..
عندما انخرطت في العمل السياسي وأنا ابن الخامسة عشرة من عمري. لقنني والدي درسا في علم السياسة. السياسة، فعل مؤسسي في الداخل لا في الخارج. هي كمثل قطعة نثرية صعبة يمليها عليك أستاذ.عليك كتابتها بشكل صحيح.عليك إدراك علامات الشكل والإعراب وفواصل الترقيم .غير ذلك ستكون خارج الفهم والمعنى. وستترك النص لمن يشكله ويعربه حسب معرفته بقاموس اللغة ،توجد مفاتيحه عند من يتحكم في رقابك وستكون مضطرا في كل لحظة للذهاب نحوه ،ترجوه ليقطر لك حقوقك قطرات .. قطرات.كان يرافقني ولازال في مساري المتواضع. نماذج وطنية، زعماء سياسية وفكر، عبد الرحيم بوعبيد ،عمر بنحلون عزيز بلال، عابد الجابري، عبد الله العروي ،علي يعتة ، الوديع الآسفي وفاطمة المرنيسي واللائحة غنية ومفتوحة..
نلتقي في مغرب مابعد كورونا وكلنا على استعداد لتجريب نبوغ مغربي جديد، يقطع مع انتظارية متكلسة، لبست أسمال الفردنة والريع والكوطا،وتلحفت لباس دربالة الزعيم ،الذي حول العمل السياسي والنقابي والمدني لعصبة قبلية، تغرف من ثقافة الشيخ والمريد.التابع والمتبوع، في نعته جرا، نصبا، كسرا،مضافا ومضافا إليه، من يدري مضافا لأجله…
محمد أمين بنيوب