محمد نجيب كومينة
َلماذا يبدو النظام الشنقريحي مرتبك الموقف من الحرب في اوكرانيا؟
هناك من يذهب الى تفسير هذا الارتباك بخوف الجنيرالات وتابعهم تبون من الولايات المتحدة وفرنسا والغرب و بالحرج مع روسيا، المصدر الاساسي للسلاح الجزائري و للرشاوي، وغير ذلك، لكن لا احد انتبه الى ان النظام الجزائري يشعر في العمق بكثير من التعاطف الصامت، او بالاحرى المكبوت، مع اوكرانيا. لماذا؟
لان اوكرانيا هي نتاج عملية شبيهة، مع فارق الزمن والايديولجيا، بالعملية التي افضت الى تكوين الجزائر، بعد استكمال الاستعمار لاحتلال وضم الجزء الاكبر من الاراضي التي استهدفها بين 1830 وبداية القرن العشرين،
ذلك ان اوكرانيا، كما هي اليوم، تكونت بقرار لستالين في اطار الاتحاد السوفياتي السابق، و ضمت اليها اراضي وقوميات كانت تابعة من قبل لروسيا وبولونيا وهنغاريا والنمسا، انضافت الى الاراضي التي تقطنها القومية الاوكرانية البيضاء والتي تمثل جزءا غير كبير من اوكرانيا الحالية، و عندما تفكك الاتحاد السوفياتي السابق حاولت كل الاطراف المتدخلة في صنع خرائط ما بعد التفكك، ومن بينها الدول الغربية، جعل اوكرانيا اكبر، وان تفرض على روسيا الضعيفة وقتئذ فك الارتباط بها غير عابئة بخطر احتضانها لمنشئات نووية، لان الاوروبيين والغربيين لم يعتبروا سقوط الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي السابقين نهاية حرب باردة فقط، بل وايضا بداية معركة اخرى لها تاريخ مع العملاق الروسي المخيف دائما تروم تفكيكه ودحره خارج اوروبا، التي تشكل امتدادا قاريا لاسيا وليست قارة حقيقية، و لذلك شكلت اوكرانيا كما استقلت راس حربة في هذه الحرب الجديدة الاستراتيجية و غير المتاثرة بالاصطفاف الايديولوجي.
الجزائر، التي تاسست كاقليم فرنسي بمرسوم رئاسي فرنسي سنة 1839، هي ايضا مصنوعة حديثا بضم اراضي انتزعت من المغرب في لحظات ضعفه، اي فكيك وبشار وتندوف وتوات وغيرها غربا وجنوبا، واراضي تونسية واخرى ليبية غربا، و ازوادية ومالية جنوبا، وقد تم ابتلاع بعض هذه الاراضي بالقوة او التحايل من طرف الاستعمار الفرنسي حتى بعد 1839، وانضافت هذه الاراضي الى تلك التي كانت تابعة للامبراطورية العثمانية المنهارة في الشمال، والتي كان البعض منها تابعا للامبراطورية المغربية من قبل وبقيت على ارتباط به بعد احتلالها من طرف الاسبان ثم العثمانيين، وكانت فرنسا تمني النفس بجعل الجزائر الفرنسية جزءا من اراضيها وراء البحار بشكل لا رجعة فيه وان تجعلها محطة للتحكم في مستعمراتها السابقة في شمال وغرب افريقيا بعد اضطرارها للاعتراف باستقلالها نتيجة قرار الامم المتحدة المتعلق بانهاء الاستعمار و نضال الحركات الوطنية، لكن انطلاق حرب التحرير في 1954 في الجزائر، بتضامن مغاربي ودعم مغربي، غير المعطيات تدريجيا وجعل الضغط الدولي يشتد على فرنسا.
عندما قررت فرنسا منح الجزائر، بمقتضى اتفاقية ايفيان التي ماتزال بنودها السرية غير معروفة، رفض جزء من سكان الجزائر الفرنسية المشاركة في الاستفتاء الذي نظمه المستعمر او الالتحاق بالكيان الجزائري الوليد صراحة، ومن بينهم سكان تندوف وبشار والقنادسة الذين قالوها صراحة: نحن مغاربة ولسنا جزائريين، و كانت نخب من هذه المناطق على صلة وثيقة بالحركة الوطنية المغربية قبل استقلال المغرب، وكانوا هم ايضا ينتظرون ان تفي الجزائر بعد استقلالها بالتزاماتها المتعلقة بوضعهم التي كانت موضوع اتفاق للمرحوم الملك محمد الخامس مع الحكومة المؤقتة الجزائرية، لكن املهم خاب، كما خاب امل المغرب، عندما نظم بومدين انقلابه على الحكومة المؤقتة واخرج النظام الناشئ عن الانقلاب شعار احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار.
ومثلما اعتبرت فرنسا الجزائر الفرنسية بوابتها للسيطرة على شمال وغرب افريقيا قبل الاستقلال، ومنها احتلت تونس والمغرب ومالي و اراضي افريقية اخرى، فان حكام الجزائر تصرفوا مند الاستقلال باعتبارهم امتدادا للجزائر الفرنسية، وفيما يخصنا، فقد ظلوا يلعبون دورا خبيثا ضد المغرب ووحدته الترابية، التي حاربها المستعمرون السابقون توجسا من عودة الامبراطورية التي فككوها بعدما كانت قد ضعفت داخليا، و هو دور شبيه الى حد كبير بالدور الذي لعبته وتلعبه اوكرانيا ضد روسيا ووحدتها الترابية و قوتها ونموها والذي كان وراء الحرب الجارية الان، والتي ابتدات فعليا مند 2014. اذ ان اوكرانيا، مند ما عرف بثورة ميدان المخدومة، لم تعد في الواقع دولة، بل ملحقة امريكية غربية هدفها الاول هو محاربة عودة الامبراطورية الروسية بقوة عبر انهاكها اقتصاديا و لجم نموها الذي تعدى 8 في المائة لسنوات وجاء تاليا للصين والهند.
خلاصة القول ان اوكرانيا والجزائر نتاج صناعة بقرارات سياسية، وان في ظروف مختلفة وبغايات مختلفة، و ليسا نتاجا لمسار تشكل تاريخي لامة او شعب، و تكوينهما يظل متسما بهشاشة قصوى ترافقها ازمات هوية حادة ومفتوحة على كل الاحتمالات، وهما معا يلعبان دورا بالغ السلبية في محيطهما ومع جوارهما، وهذا ما يعيه الغرب وتعيه روسيا.
المشكل ان بوتين الذي قدم، في احد خطبه عرضا تاريخيا عن اوكرانيا يشير الى انه يقيم اعتبارا للتاريخ في تشكل الامم والدول، يتصرف تصرفا شيزوفرينيا مع منطقتنا بوقوفه الى جانب الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر، التي فعلت في الشعب الجزائري في العشرية السوداء مالم تفعله عصابة ازوف النازية في ساكنة دونباس الروسية، و اتخاذه للمواقف التي يعبر عنها ممثله في مجلس الامن لدى مناقشة قضية وحدتنا الترابية التي يعرف حق العلم ان المغرب سيدافع عنها بالغالي والنفيس ولو اشترى النظام العسكري المخابراتي الجزائري كل الاسلحة الروسية، لانه يدافع عن حق وعن وجود و يعمل على طي صفحة الاستعمار الذي قطع اطراف المغرب في لحظة ضعف و صعود للامبريالية.