وحين متابعة قراءة تفاصيل هذه الصفحات، يتأكد بوضوح أن السيرة تفترق عن التاريخ والخطاب السياسي على مستويين: قوام المستوى الأول: اللغة، فلا وجود لنص سيرذاتي إلا بلغة نثرية تختلف عن اللغة النظرية التقريرية، ذلك أن السيرة الذاتية، كما الشعر، لعب في اللغة وبها ومعها، وسجال ضد “اللغة الفقيرة المتكلسة الجاهزة”. وضمن المستوى الثاني، تقوم السيرة الذاتية في المتخيَّل، أي تلك القدرة على اشتقاق عوالم متعددة من المعيش اليومي، تتجاوز المرئي وتنفيه وتجعله أكثر وضوحاً. والمتخيل السيرذاتي، بداهة، يغتني ويتطور بالنفاذ إلى العالم الداخلي للإنسان، والمليء بالأحلام والكوابيس وبمفارقات الحياة والموت. المتخيل، في نهاية المطاف، شكل من المعرفة، يبدأ من معرفة ويفضي إلى أخرى مستجدة. ومن السخف اعتبار المتخيل لعبة ذهنية شاردة، فذلك يسمى: الوهم؛ وهو من اختصاص الكتبة الزائفين، وليس من تقاليد محامي مبدع ومثقف وطني كتب سيرة ذاتية جديرة بالاعتبار والقراءة والمقاربة والتأويل.
د. عبد الجليل بن محمد الأزدي