يقدم المناضل جليل طليمات صورة عن المشهد الحزبي في المغرب ، من خلال مداخلة سابقة ارتاينا تقسيمها إلى أربعة أقسام
من بين أبرز سمات المشهد السياسي الوطني الراهن تراجع الدور المستقل للأحزاب في التأثير على صناعة القرار في المجال السياسي,وتقلص دورها التأطيري والإشعاعي,واهتزاز ثقة فئات اجتماعية عريضة في خطابها ووعودها ,وفي مصداقيتها وذلك بفعل ما استشرى في صفوفها من نزعات شعبوية مزايدة وفجة ونفعية مبتذلة,وانتهازية مقيتة. إن الحالة المقلقة التي آل إليها الحقل الحزبي تستدعي فتح حوار نقدي شفاف حول أقوم المسالك لتجاوز هذا الوضع الدراماتيكي لتعددية حزبية مشلولة وعقيمة , أضحت عبئا على أي تقدم في مواجهة المرحلة التاريخية التي تمر منها بلادنا والعالم المحيط بنا , فربح رهانات التنمية والدمقرطة والوحدة الوطنية في عالم اليوم ,سيظل مستعصيا دون حقل حزبي فاعل,مستقل وقادر على القيام بمهامه في التأطير والاقتراح للبدائل وإنتاج النخب , ومد أمتن الجسور مع مختلف فئات المجتمع.
ليس الغرض من الحديث عن تردي العمل الحزبي وتراجع مكانته نعي الأحزاب أو النيل من ضرورة وقيمة وجودها كما يذهب إلى ذلك الكثير من الشامتين , وإنما فهم واستيعاب عوامل هذا الانحدار والتردي,الموضوعية منها والذاتية لأجل تجاوزها بما يتيح إعادة بناء الحقل الحزبي وهيكلة تعدديته على أسس ثقافة سياسية وتنظيمية جديدة تخلصه من مختلف الأمراض والأعطاب التي باتت عالقة به , ذلك أن البناء الديمقراطي للدولة والمجتمع سيظل ممتنعا أو مستعصيا بدون تعددية حزبية تمثيلية حقيقية , كما أن أفق إرساء نظام الملكية البرلمانية سيصبح مجرد سراب في ظل غياب أحزاب وطنية ديمقراطية مستقلة وقوية بامتداداتها المجتمعية .
وبناء عليه يمكن التوقف هنا عند الأسباب الموضوعية والذاتية التي أدت إلى بلوغ الوضع الحزبي لهذه الدرجة من الهامشية والفسيفسائية,وعند المسؤولية في ذلك , واستخلاص المداخل الممكنة لتجاوز هذا الوضع المنفر من العمل الحزبي والمكرس للعزوف لدى فئات اجتماعية عريضة. وأفترض, في هذا الصدد , أن حال المشهد الحزبي اليوم نتاج لعوامل متشابكة منها ما هو سياسي له جذور في التاريخ الحديث لدولة ما بعد الاستقلال الوطني , ومنها ما هو موضوعي يرتبط بالتحولات الديمغرافية والسوسيوثقافية والقيمية التي طالت المجتمع المغربي ,ومنها ما هو ذاتي تنظيمي وتدبيري للشأن الحزبي الداخلي . ذلك هو ما ستتناوله الفقرات الآتية
جليل طليمات