إن أية مقاربة نقدية للراهن الحزبي لن يستقيم دون العودة إلى التاريخ وتراكماته في هذا الحقل , فوحده التاريخ يمنح الذات الوعي بتغيرات الحاضر من حولها وبأفق المستقبل الممكن أو المتاح. ومن هذا المنطلق يمكن التمييز في مقاربة الظاهرة الحزبية في المغرب بين مرحلتين تاريخيتين رئيسيتين:
_ مرحلة النشأة والتأسيس: ارتبطت الظاهرة الحزبية بالكفاح الوطني ضد المستعمر من أجل الاستقلال الوطني. فبعد إسقاط الظهير البربري, وفي غمرة المطالبة بتطبيق برنامج الإصلاحات
تأسست كتلة العمل الوطني كأول تنظيم سياسي سنة 1934, فكانت الرحم الذي احتضن وأنجب فيما بعد تعددية حزبية منبثقة من تطلع الشعب المغربي إلى الاستقلال. وخلال الأربعينيات أخذ النضال الوطني طابعا أكثر جذرية عبرت عنه وثيقة 11 يناير 1944 المطالبة بالاستقلال التي قدمها حزب الاستقلال الذي تأسس عام 1943 بزعامة علال الفاسي , كما عبرت عنه كذلك زيارة السلطان محمد بن يوسف لمدينة طنجة في أبريل 1947 حيث ألقى خطابا وصف ” “بخطاب الوحدة والقطيعة”. ومن داخل هذه الدينامية السياسية الوطنية التحررية, وعلى قاعدة نفس الإستراتيجية (إستراتيجية التحرير والوحدة ), تعزز الحقل الحزبي الوطني بتأسيس الحزب الشيوعي , ثم حزب الشورى والاستقلال ذو التوجه الليبرالي , وحزب الإصلاح الوطني بشمال المغرب بزعامة عبد الخالق الطريس ,والذي سيندمج فيما بعد في حزب الاستقلال.
إن هذه الأحزاب مجتمعة هي ما شكلت, على تمايز مرجعياتها الفكرية ( سلفية _ ليبرالية _ شيوعية” _ قومية) ما يصطلح عليه المؤرخون والأدبيات السياسية المغربية ب ” أحزاب الحركة ألوطنية ” بفعل انصهارها وانخراطها الكفاحي الميداني والسياسي والدبلوماسي في معركة التحرير والاستقلال والوحدة والسيادة الوطنية . إنها أحزاب نشأت وانبثقت ” من روح الأمة” وتأسست من عمق المجتمع ,فنالت بالتالي شرعيتها التاريخية النضالية والمجتمعية ما جعل التعددية الحزبية لهذه المرحلة التاريخية تعددية حقيقية ,فكرية وسياسية وإيديولوجية وتمثيلية لقطاعات وفئات عريضة من المجتمع .
فأي مسار ستتخذه هذه التعددية الحزبية في مغرب ما بعد الاستقلال ؟ مغرب البناء المؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي الذي ورث عن المرحلة الاستعمارية شرعيتين : شرعية ملكية وطنية عريقة في التاريخ وذات رمزية دينية كبرى,وشرعية الحركة الوطنية التي قادت النضال الوطني ضد المستعمر.
جليل طليمات