في نقد تماهي صفات الوطني والشوفيني والمقاوم والإرهابي (في ظلال ذكرى 18 نونبر المسماة ” إعلاميا ” عيد الإستقلال ) .
* مصطفى المنوزي
لقد كافح آباؤنا وقاوموا ضد الإستعمار وأذنابه بالسلاح ، بنفس القدر الذي جاهد به أجدادنا ضد الغزو الأجنبي المتعدد ، وعلى نفس الدرب والمسار ناضلنا ديمقراطيا ضد فلول الإستعمار وضد الحكم الفردي المطلق ، واعتقلنا وضحينا رفقة كبار قادتنا التاريخيين والفكريين والسياسيين وعايشناهم أيام الشدة والمعاناة . تحقق الحلم نسبيا دون كمال ؛ ولا زال الصراع قائما مع أجل إستكمال مطالب التحرير والديمقراطية والإشتراكية . حصلت مراجعات فكرية وسياسية في الخيارات والوسائل ، وبإسم أنهم ” خززوا في المعارضة ” أبرموا صفقة التناوب التوافقي الموؤود ، لم تكن غاية النظام منه سوى تيسير إنتقال العرش من والد إلى ولده ؛ هذا الأخير أسس شرعيته على ” المصالحة والمفهوم الجديد للسلطة ” ؛ فتحت أوراش الذاكرة وكتابة التاريخ ؛ فامتهن بعض التائبين عن كفر السياسة ، مهمة تحرير صكوك الغفران ، واحترفوا مهنة التوثيق عن طريق أخذ الصور / الفتوشوب مع من تبقى من شرفاء وصور الشهداء ووتوثيق مرافقتهم طيلة رحلات الإستماع والإستمتاع بأنصاف الحقائق ، أغلبها مؤطرة و منظمة وسفريات مؤمنة سميت إفتراء قوافل الحقيقة ، فهيمنت الحقيقة الإعلامية على الحقيقة التاريخية ، فحاز المشاركون والكمبارس ألقابا وشهادات تقديرية ودكتورات فخرية في “النضال المزعوم ” ثم نالوا نياشين حروب لم تقع البتة .
اليوم في ظل زمن الجحود والتفاهة والميوعة ، صار المناضل هو كل من ينتمي إلى وكالة انتخابية أو منصة إعلامية بقبعة يمينية او دينية أو حداثية أو إشتراكية حتى ، وصار الوطني هو كل من يدافع عن هيبة الدولة ولا يهمه إن كانت الدولة رخوة أو أمنية مخيفة ، وانتعشت معه مهنة ” العياشة ” والتي لا يهم المنتسبين إليها أن يميزوا بين المقاوم وبين الإرهابي ، فهم يمتحون من وعاء قانون أكت باتريوت ( أي قانون الوطنية ) المنشأ على إثر أحداث 11شتنبر بالولايات المتحدة الأمريكية ، والذي يبيح لكبار الجلادين ممارسة كل التجاوزات والإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، وهو نفسه الذي هيأ الأجواء و شرعن لعودة قانون ” كل ما من شأنه ” السيء الذكر في وطننا المغرب ، وعاد معها سؤال طي صفحة الماضي ، ماضي القمع وسنوات الجمر ورجال السكتة القلبية . ومن نتائج وتداعيات الإرتكاسة إطلاق العنان لتماهي الوقائع والمواقع ولم يعد التمييز بين المناضل والمصارع وبين الجلاد والضحية ، كما يتماهى الأمر لدى البعض بين الوطنية والشوفينية ،وبين البهودي وبين الصهيوني والإسرائيلي و بين الدولة والكيان وبين المؤسسات والأشخاص . وإذا أردنا أن نميز بين النضال والصراع ، فقد يبدو ظاهريا انهما لا يختلفان سوى أنه في النضال أنت من يبادر ، دون وصاية ، إلى خوض الصراع السياسي أو الاجتماعي او الاقتصادي او الثقافي الفكري او جميعهم معا ، ووفق استراتيجيا وخط مرحلي منسجم مع خيارك الفكري والسياسي …، في حين دونه يفرض عليك الصراع بحروبه الصغرى ، في مكان وزمان ما ، فجائيا او كالقوة القاهرة ،وفق جدول أعمال محدد من طرف خصومك المختلفين والمنافسين أو أعدائك الطبقيين أو الأجانب . لهذا وجبت اليقظة ومراجعة محتوى واهداف و ادوات الصراع والنضال وآفاقه ، وكذا تحديد انفاس المقاومة والصمود ، فالظرفية تفترض استحضار وتوقع كل الاحتمالات ، رغم تماهي حالة اقتصاد السلم وبييئة إقتصاد الحرب ، حيث كلاهما منتج للربح أو الريع لا فرق . ولذلك فإن التمييز وتحديد المفاهيم ضروريان ، لأن البعض بإسم الدفاع عن الدين يكفر وبإسم الدفاع عن المؤسسات يُخون ، وبإسم تحصين مواقعه وترسيخ مكتسباته من إمتيازات التطبيع مع الأمر الواقع أو مناهضة هذا التطبيع ، ويتسامح مع مخطط خونجة ( أوفرنسة أو تهويد ) الدولة أو يتصالح مع مؤامرات صهينة القيم والتمثلات ، دون تمييز بين الفضيلة والرذيلة بمعناها التيولوجي ؛ وقد حان وقت مصارعتهما والقضاء عليهما بكافة الوسائل ، بإعتبارهما وجهان لأصولية إستئصالية واحدة ، ولنعد إلى إعادة تقييم وتقويم الإصطفافات على أسس سليمة ، فالتاريخ يظل صراع طبقات وتناقضات تناحرية وثانوية ، ولا مستقبل للإنسان ولا للأوطان سوى بتجويد ترتيب النهايات وتحيين المقدمات والمرجعيات والبدايات .
*رئيس منتدى ضمير الذاكرة والسرديات الأمنية