خصصت مجلة Le Point الفرنسية هذا الأسبوع ملفا عريضا للمغرب عبر مراسلتها في الرباط، استعرضت فيه ما سمته حالة الصمود المغربي La Résilience التي بدأت مع تأهل المنتخب إلى نصف نهائيات كأس العالم في قطر، و تلتها قدرة المغرب على التصدي لكل التحديات الإقتصادية و. السياسية التي يواجهها ببراعة أدهشت المتابعين. قد يبدو من هذا التطور الغريب و كأن الصحافة الفرنسية قد عادت إلى رشدها في التعامل مع الأزمة الديبلوماسية المستعصية بين المغرب و فرنسا، و قررت التخلي عن نزعة التصعيد المتواصل عبر اختلاق الملفات التافهة حول صحة أو غياب الملك أو العلاقات المشبوهة مع نواب البرلمان الأوروبي، أو ملف بيغاسوس (الذي إنتهى إلى لا شيء بعد أن عجزوا عن إيجاد دليل تقني مادي واحد يؤكد صحة ادعاءاتهم)، لكن الحقيقة هي أن المغرب و بسبب غباء و عناد بهلوان روتشيلد، إيمانويل ماكرون، قد تحول و لأول مرة منذ عهد الرئيس فرانسوا ميتران، إلى موضوع للاستقطاب السياسي بين الأجنحة الحزبية و مراكز القوى الإقتصادية و المالية الفرنسية.
فمجلة لوبوان تعتبر التي بمثابة اللسان الناطق بإسم النخب الإقتصادية و الصناعية اليمينية في فرنسا (هناك مؤسسات صحافية و إعلامية أخرى تحمل نفس المهمة لكن لصالح المركب العسكري الفرنسي)، لم تتحرك عبثا، فهي أولا في ملك صاحب خامس أكبر ثروة في الجمهورية اليعقوبية المدعو François Pinault صاحب مجموعتي Artemis و Kering العملاقتين، و هي شركات قابضة تسيطر على عدة شركات أخرى في مجالات متعددة مثل Gucci, YSL, Boucheron, Balenciaga, Puma، بالإضافة إلى صالات المزاد العلني Christie’s, و الرجل كما يصف نفسه متفرغ تماما لشغفه القديم، الفن المعاصر و العلاقات العامة الدولية، خصوصاً في الأسواق الاستثمارية.
خروج هذا الملف الإعلامي الإيجابي تجاه المغرب في هذه المجلة، و في هذا الوقت تحديداً (مباشرة بعد التسريب الصوتي المنسوب لإيمانويل ماكرون)، يؤكد أن مستوى الإنزعاج لدى النخب الإقتصادية الفرنسية من سياسة البهلوان تجاه المغرب قد ارتفع بشكل مطرد و متواصل، بل خرج مباشرة إلى الضغط عليه عبر الإعلام فاضحا بذلك الأسلوب الدنيء الذي لجأ إليه مستشاروه عبر تحريض جرائدهم و مجلاتهم للتحريض ضد المملكة بطرق أقل ما يقال عنها أنها ساقطة أخلاقيا و لا تمت بأي صلة لأساليب إدارة الصراع الديبلوماسي و السياسي بين الدول العريقة.
و لأن اليمين الفرنسي كان دائما الصديق الوفي للمملكة، فييدو أنه قد بدأ يتحسس وضعه وسط الأزمة الحالية التي تمثل بالنسبة إليه خسارة استثمارية ضخمة، خصوصاًو أن المحللين الإقتصاديين الفرنسيين أنفسهم قد باتوا يؤكدون في وسائل الإعلام، أن أي محاولة للعودة إلى أسواق دول الساحل الإفريقي، لم تعد ممكنة إلا عبر الأبناك و الشركات المغربية المنتشرة في كل مكان، و بالنسبة لهم من الصعب الإقتناع بضرورة مواصلة التصعيد الذي يكلف الاقتصاد الفرنسي المتأزم الكثير، خاصة و أن خيار التقرب من #جنرالات_الكوكاييين لا يعوج بأي فائدة على الشركات الفرنسية التي لن تعد تغامر بالاستثمار هناك حتى في صناعة المايونيز، بينما في نفس الوقت، تحولت المملكة في السنوات الأخيرة إلى نقطة جذب مغرية جدا للشركات الدولية في كل المجالات (صناعة السيارات، صناعة الطيران، صناعة السلاح، الطاقة، الأسمدة الفوسفاتية،التنقيب عن الغاز في سواحل الصحراء، الصناعات الدوائية، الأغذية، الخدمات المالية و البنكية..)، و لعل أكثر ما يزعج الفرنسيين اليوم هو رقم المعاملات التجارية بين المغرب و إسبانيا الذي أعلن عنه مؤخرا، و الذي ارتفع من 6 ملايير أورو قبل سنتين، إلى أكثر من 11 أورو في الربع الأول من السنة الحالية، و هي نسبة تطور إيجابي تقارب النصف في مدة قصيرة جدا بلغة الإقتصاد.
و إذا ما أضفنا لكل ما سبق، قرار وزير التعليم المغربي تعميم تدريس اللغة الإنجليزية في أقسام التعليم الإعدادي ابتداء من السنة القادمة، فهذا يعني أن إمكانيات الخسارة على المدى المتوسط و الطويل بالنسبة لباريس سوف تتزايد بشكل سريع جدا، يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل على النخب السياسية و الإقتصادية الفرنسية أن تعيد عقارب الساعة مستقبلا إلى الوراء، فحتى لو تم تجاوز الأزمة الحالية بأي شكل في ما بعد، فمثل هذه التغييرات الجذرية، لا مجال فيها للعودة إلى الوراء بالنسبة للمملكة.
أيا كانت نهاية هذا المسلسل الكثير، فمن الجيد جدا بالنسبة للمغرب أن نتحول لنقطة استقطاب سياسي داخل النخب الحاكمة في باريس، فهذا معناه أن أي محاولة لتجاوز الأزمة الحالية، سوف يكون ثمنه مرتفعا جدا بالنسبة لساكن الإليزيه و عملاءه في قصر المرادية.