محمد الحبيب طالب
إنها فعلا ” أوضاع عربية ” ، لا تتطابق مع بعضها على وضع واحد . لكن ثمة دائما مشتركات كبرى ، يفرضها الانتماء الحضاري الواحد ، صلبه مستوى التطور الثقافي الاجتماعي المتقارب . فكما إشتركت في هبة متوالية سميت ” بالربيع العربي ” ، تشترك بقدر من التقارب والتشابه في ما يمكن أن نسميه بأزمة ” الانتقال الديمقراطي ” . وكأن قانون الأواني المستطرقة يحكمها جميعا في ، التقدم والتراجع والركود ، ومع ما تسمح به الدينامية من انفلاتات ممكنة لحلقة ما ليعم سقفها باقي حلقات السلسلة . هذه الصورة إنشائية تقريبية ، ليس غرضها تناول ما تحمله من تعقيدات ، لكنها بمثابة الميل العام الذي يحكم سقوف المنعطفات الكبرى التي شهدها الوضع العربي قديما وحديثا . ما أردته من هذه المقدمة ، الالحاح مني ، اليوم وأكثر من أي وقت مضى ، على الحاجة إلى الرؤية الحضارية في تناول القضايا المعاصرة لأي من المجتمعات تنتمي لنفس الدائرة التاريخية ، لاسيما لدى الشعوب ذات الثقل التاريخي الحضاري ، والذي قد يعيقها على التقدم ، إلا أنه يظل الجسر الضروري لعبورها إليه . وأكاد أجزم : أن الدولة الفاقدة للرؤية الحضارية في هذه الحالة معرضة ، للاستتباع والفشل الحتمي . وعندما أتحدث عن الرؤية الحضارية ، فلا أعني أحد مفاهيمها الذي يضيق مجالهافي ، ” التقدم المادي العمراني ” فقط ، ولا الذي يستعيض عنها باستيراد التكنولوجيا الجاهزة ، كما هو المفهوم الرائج اليوم . بل القصد ما تعنيه الحضارة من تقدم مادي عمراني ، وانتاج للعلم والمعرفة ، ومن تحديث معاصر لتراثها الثقافي واللغوي والديني والقومي ، ومن سعي ” جيوبوليتيكي ” التعظيم تلك المشتركات ، بما يؤسس لقوة فاعلة في الحضارة الإنسانية جمعاء ، إنها بعبارة وجيزة ” القيمة المضافة ” التي تساهم بها الحضارة المعنية في تقدم الحضارة الإنسانية المشتركة والعليا . واقع الدول العربية لا يخرج عن هذا المنظور ولا عن هذا المال . ولعل في رأي النقاد ما يفيد هذا المعنى في حكمهم الجماعي ، على أن ، إذا ما استثنينا المشروع الإسرائيلي الأمريكي المضاد ، ليس في الساحة سوى المشروع الإيراني والآخر التركي ، وفي الغياب المطلق لأي مشروع عربي.