محمد الحبيب طالب
دلت الخبرة النضالية للصراعات الاجتماعية في لبنان ، أن للنظام الطائفي قدرة على احتوائها واحتجازها بالقدر الذي لا يخل باستمراريته . ولعل تجربة الحركة الوطنية في بداية السبعينيات من القرن الماضي ، وطرحها لبرنامج وطني واجتماعي وقومي يسمو على النظام الطائفي وما كان يحمله من اتجاهات انعزالية تفكيكية للكيان اللبناني ، كانت ، في نظري ، أرقى ما استطاعه الصراع الاجتماعي سواء فيما قبل أو ما بعد . وأعني ما يجری في الحاضر من حراك شعبي متتالي الهبات ، بدءا بحركة ” طلعت ريحتكن ” إلى الأخيرة الموجهة ضد النظام الطائفي في كليته ” لكن يعني كلكن ” . وقد رأينا خلال عقد ونصف كيف هوت تلك التجربة الاجتماعية الأرقى إلى ردود أفعال جرتها إلى فتنة أهلية ، عمقت الانشقاقات الطائفية ، وشرعت الأبواب الدينامية تدخلات خارجية لم تكن تتوقعها ، فرضت على لبنان باختلاف الدوافع وصاية جماعية سعودية وسورية وأمريكية ، لم تقف عند حدود وأد الفتنة ، وتحقيق المصالحة الوطنية بل اختلطت باجتياح إسرائيلي وبعزم أمريكي وجدا في الفتنة الأهلية فرصة لإنهاء وجود المقاومة الفلسطينية ولترحيلها . بينما وجدت الحركة الوطنية نفسها متلبكة سياسيا وتخوض معارك على عدة جبهات فوق ما كانت تتوقعه وتتحمله . وإذا كانت هذه الصيرورة تكشف عن أعطاب في تصورها وتقديراتها لنضج المجتمع اللبناني الثورة وطنية ديمقراطية تحررية ، فإن امتیازها مع ذلك عما تلاها من هبات شعبية ، أنها كانت بقيادة منظمة ولها برنامجها الوطني الإصلاحي الشامل . وعلى غير الهبات الحديثة الغارقة في العفوية ، كما هي جل الانتفاضات ذات النفس الشعبوي في زمن التواصل الاجتماعي ، الشديد الحساسية من الحزبية بوجه عام ، و الرافض مبدئيا لأية قيادة توحدها ، و لو كانت منها ! والأنكى من ذلك تقزيمها أو إهمالها أو تعليقها للمسألة الوطنية والبلد في فوهة العدوان الإسرائيلي . ولغياب هذا العنصر الوطني تحديدا و في كل الهبات الشبيهة ، تركب شعاراتها العامة غير المحددة البرنامج قوى مضادة لها تسخرها لغير مصالحها . يكاد الصراع السياسي في لبنان يتمحور ، داخليا وخارجيا ، حول الموقف من حزب الله . والعنوان بحد ذاته ينطوي على الموقف من المسالة الوطنية التحررية في تموقع لبنان في الصراع مع إسرائيل وحماتها المتواطئين معها . لذك وجب التفكير و الاختيار . ولكي لا أطيل في سرديات التآمر لعزل الحزب والقضاء عليه ، فمن الأفضل تركيز الاستنتاجات التالية د 9 أولا : أثبتت المقاومة اللبنانية جدارتها الوطنية بإنجازها التاريخي في تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي وبلا شروط . ثم تلاه انتصار آخر على العدوان الإسرائيلي في حرب 2006 ، والذي كان يستهدف ، ليس فقط تدمير المنظومة التسليحية لحزب الله ، وعقد صلح إذعان من لبنان مع إسرائيل ، بل المضي من هذا المدخل لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد ، كما أعلنت عنه بعنجهية وفي عز الحرب العدوانية وزيرة الخارجية الأمريكية…