آخر الأخبار

انتظارات الحراك الجزائري

يعتبر مايجري في الجزائر اليوم نهاية مرحلة استنفذت كل شروط الاستمرار. فالانتفاضة المستمرة في هذا البلد الشقيق، كما هو الشأن بالنسبة لانتفاضات شبيهة كتلك التي قادها الطلبة والشباب في نهاية ستينات القرن الماضي في فرنسا وغيرها، لاتكشف عن نوع التطورات اللاحقة التي تؤسس لمرحلة جديدة. و كما أشارت إلى ذلك حنة أرندت مستشهدة بزبجينو برجنسكي في كتابها “في العنف”. المخصص لاانتفاضات الطلبة في الغرب، فمايظهر من مثل هذه الانتفاضات هو النهايات وليس مابعدها. وقد تضمن هذا الكتاب نقدا عميقا لآطروحات المناضل الآنتيي والجزائري بالتبني فرانز فانون في كتابه”المعدبون في الآرض” ولمقدمته التي كتبها الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر في سياق مناقشة دعاوي العنف التي وجدت لها انتشارا وقتئذ وسط شباب رومانسي ومتفاعل مع الثورة الفيتنامية والثورة الثقافية الصينية وغيرها.
الثورات والانتفاضات ليست هي التي تحدث التغيير المطلوب وإنما تمثل لحظة فاصلة بين مرحلتين، إحداهما منتهية وآيلة للغروب والثانية في حكم المشروع. الهلامي المفتوح على احتمالات غير قابلة للمسك بها بشكل كلي، لذلك هناك دائما حاجة في مراحل الانتقال بين مرحلتين إلى لنوع من السياسيين الذين يكون بمقدورهم جعل هذا المشروع ينفتح على التقدم ودرء انحرافه أو اجرافه إلى الفوضى التي تظل الرومانسية الثورية قابلة للتوريط فيها،
ويجب أن يكون هذا النوع من السياسيين متميزا بالخصائص الثلاث التي حددها ماكس فيبر: الإيمان بقضية، قضية الديمقراطية وبناء دولة المؤسسات المدنية في الحالة الجوائرية،، و بالمسؤولية والنظرة الثاقبة أو بعد النظر. ولعل هذا النوع من السياسيين مطلوب توفره على أوسع نطاق في الجزائر تحديدا، حيث أدى انغلاق النظام وتحكم المخابرات لزمن طويل إلى عدم تمكين البلاد من التوفر على قيادات كاريزمية، بعدما تم تهميش أو اغتيال عدد من رموز حركة التحرير.
في غياب هذا الصنف من السياسيين يظل بإمكان الديماغوجيين أو قوى الردة العمل على مصادرة الإرادات المعبر عنها من طرف الملايين وحتى تحريف الاتجاه نحو التطرف والفوضى، غير الخلاقة في كل الآحوال، وقد رأينا كيف انقلبت الموالاة على نفسها وحاولت اختراق الحراك الذي كان ضدها في الآصل.
في مثل هذه المراحل تحتاج الشعوب إلى ذكاء نخبها السياسية وغير السياسية. ومن الذكاء في هذه اللحظة، وكما كان عليه الآمر لدى انطلاق الثورة التحريرية، تبني الخيار المغاربي كأفق لحل الكثير من المشاكل القائمة والمرتسمة في الآفق في الجزائر والمنطقة برمتها.الآفق المغاربي هو أفق التنمية والتحسين العام لمستويات المعيشة على أساس التكامل والتعاون والحوار والتفاوض من موقع قوة مع كل الآطراف الدولية وهو أيضا أفق الحريات والديمقراطية في إطار آمن ومستقر ومتمتع بمناعة قوية ضد الإرهاب ومشاكل أخرى قابلة للتفاقم في المحيط الإقليمي على المدى المتوسط.

محمد نجيب كومينة / الرباط