انتقدت المنظمة الديمقراطية للشغل الإصلاحات التي تعتزم الحكومة القيام بها في صناديق التقاعد والمعاشات، واعتبرت النقابة الإصلاحات الحكومية، ترقيعية وحلولا مستوردة لإصلاح العجز بتحميل كلفتها وعبئها للموظفين والعمال، وستكون لها انعكاسات تراجعية وتفقيرية للمواطنين في ظل غياب الإرادة السياسية لمراجعة معمقة لمنظومة التقاعد والتخلي عن المقاربات الفاشلة إزاء تنظيم معاشات التقاعد”.
ودعت المنظمة الديمقراطية للشغل إلى إصلاح هيكلي شمولي لمنظومة التقاعد بالمغرب، من أجل الحد من اختلال التوازنات، وبالتالي، تعزيز الاستدامة المالية، والحد من التشوهات والامتيازات والريع والصناديق السوداء والفساد، وغياب الآليات اللازمة لتدبير المخاطر، ولحفظ كرامة عيش المتقاعدين والمتقاعدات، وذوي الحقوق، محذرة من خطورة فشل تنزيل تعميم الحماية الاجتماعية على جميع المغاربة وفق الأجندة المحددة لها، والانحراف عن أهدافها الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية والتضامنية النبيلة، والتوجه نحو تسليعها وإخضاعها للحسابات الماكرو-اقتصادية واستنزاف جيوب المواطنين.
وطالبت النقابة الحكومة، بالعمل على إجراء إصلاحات شاملة وطويلة الأمد وصالحة للاستمرار من الناحية الاجتماعية، لضمان تحقيق فوائد المعاش التي تحمي فقراء كبار السن وأجيال المستقبل، مشيرة إلى أن جهود إصلاح المعاشات المدنية في المغرب ظلت محدودة النتائج، بسبب أنظمة تقاعد مجزأة وغير متكافئة وغير عادلة وهشة، حيث تكشف الأرقام الرسمية أن نسبة الساكنة النشيطة المشتغلة المستفيدة من أنظمة التقاعد، لا تتجاوز 42.4 في المائة، أي ما يمثل 4.5 ملايين شخص من أصل 10.5 ملايين شخص، وحينما يصيب العجز وشبح الإفلاس صناديق التقاعد، تركز على إصلاحات مقايسية مبنية على دراسات اكتوارية وتقنية تنجزها مكاتب دراسات أجنبية بمعايير وقواعد مستنسخة، بعضها لا يخرج عن المقاربات الأوروبية رغم الاختلاف الكبير في المؤشرات والمعطيات الديمغرافية وقيمة أجرة المعاش بين المغرب وأوروبا.
واشارت النقابة ذاتها، إلى إن الحكومة تتخذ إجراءات وتدابير متسرعة للتخفيف من حدة العجز، من خلال الإصلاحات المقايسية ذات المفعول والأثار محدود المدة، ولربح بعض السنوات، لتعود إلى نقطة الصفر بالرفع من سن التقاعد الفعلي للحصول على المعاش التقاعدي، والزيادة في المساهمات وقيمة الاشتراكات وتخفيض أجرة المعاش، وهو ما ذهب إليه الإصلاح الشهير لحكومة بن كيران سنة 2016، والتي فرضت على موظفي الدولة “قانونا تراجعيا ظالما، صادما ومؤلما، قانون تراجعي أجهز على أهم المكتسبات، وألحق أضرارا كبيرة بحقوقهم في تقاعد كريم”.
فنسبة مساهمة الموظفين في ظرف وجيز من 10 إلى 14 في المائة، ورفع سن الإحالة على التقاعد إلى 63 سنة، مع احتساب متوسط أجرة ثماني سنوات الأخيرة كقاعدة لاحتساب أجرة المعاش بدل آخر أجرة، مع تخفيض المعامل من 2.5 % إلى 2 %، أدى إلى تخفيض معاش التقاعد بنسب تتراوح ما بين 18 % و35 %، وبالمقابل، ظلت نسبة المساهمة في القطاع الخاص في حدود 11.89 %، ومبدأ الإحالة على المعاش عند بلوغ سن 60، غير أن هذا السن يخفض إلى 55 سنة بالنسبة لبعض الفئات من الأجراء، علما أن معاش التقاعد بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي جد هزيل، فهو يعادل مبلغ المعاش 50 % من معدل الأجر الشهري الخاضع للاشتراك بالنسبة للمؤمن له، حيث أن أزيد من 25 في المائة لا يحصلون إلا على أقل من 1000 درهم، وهناك متقاعدين وذوي حقوقهم يتقاضون ما بين 500 درهم و250 درهما فقط، يوضح نفس المصدر.
وانتقدت النقابة الديمقراطية للشغل تصريحات وزيرة المالية بخصوص الخطة التي تعتزم الحكومة تنفيذها، والتي تكرر نفس أخطاء الحكومات السابقة من خلال “طبخ مشروع إصلاح جديد مقايسي استعجالي لإنقاذ المعاشات المدنية، وإقناع نواب الأمة للتصويت عليه، والعزف على أوتار التخويف بعدم قدرة صناديق التقاعد على أداء معاشات المتقاعدين والمتقاعدات وذوي حقوقهم”، متسائلة عن مصير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية حول صناديق التقاعد الأربعة (الصندوق المغربي للتقاعد، النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق المهني المغربي للتقاعد) والتي توجد على مشارف العجز والإفلاس على المدى القريب والمتوسط 2025-2030، حسب التقارير الحكومية ومكاتبها الدراسية التي عودتنا على الوقوف على سبب مالي محاسباتي صرف دون البحث عن الأسباب الرئيسة التي أدخلت هذه الصناديق في أزمات مزمنة.
وقالت النقابة: “إن عدد الموظفين الذين سيحالون على التقاعد في الخمس سنوات المقبلة، أي في الفترة ما بين 2021 و2025، يبلغ 55.666 موظف مغربي، إذ على مستوى قطاعي التربية الوطنية والتعليم العالي، يبلغ سن التقاعد ما يقارب 30 ألف موظف، وعلى مستوى وزارة الصحة 6240 موظفا، وبوزارة العدل 1722 موظفا و1488 بوزارة الاقتصاد والمالية، و5297 موظفا بوزارة الداخلية، كما أن الموظفين الشباب دون سن 35 سنة يمثلون فقط 20.8 في المائة من مجموع موظفي الدولة المدنيين”، معتبرة أن الإجراءات التي تقوم بها دول أخرى لديها معدلات الشيخوخة مرتفعة بخصوص رفع سن التقاعد، لا يمكن إسقاطها على المغرب، لكون معدل الشيخوخة عندنا هو 10.9 في المائة بالنسبة للفئة فوق 65 سنة، بينما عدد المتقاعدين الذين يحصلون على المعاش لا يتجاوز 42 في المائة من الساكنة النشيطة، ولا يتعدى عدد المواطنين الذين يساهمون في صناديق التقاعد 4.4 ملايين مساهم، في حين أن عدد المستفيدين من المعاشات يصل إلى 1.4 مليون متقاعد.
وقال المصدر ذاته، إن لجنة تقصي الحقائق البرلمانية في تقريرها لسنة 2017، كشفت أن “مسألة الشيخوخة والعامل الديمغرافي ليسا هما السبب الرئيسي في عجز وإفلاس صناديق التقاعد، بل إن المشكل راجع للاختلالات التي تعرفها هذه الصناديق، وتفشي ثقافة الريع والفساد والتبذير وغياب الحكامة الرشيدة، وكذا سوء توظيف استثمارات أموال الصندوق، علاوة على تخلف الدولة عن أداء مستحقات الصندوق لمدة طويلة”، داعيا إلى إلغاء الإصلاح المقايسي الذي فرضته ونفذته حكومة بن كيران ظلما، لتحسين دخل المتقاعدين على غرار عدد من الدول الاجتماعية التي قررت الزيادة في معاشات التقاعد كفرنسا وإسبانيا والنرويج والسويد والنمسا، وغيرها.
وأكدت النقابة أنه لتحقيق إصلاح جيد لمنظومة التقاعد، يجب على الحكومة القيام باختيارات ناجعة، وإعطاء الأولوية للسياسات المعززة لتشغيل العمالة طويلة الأجل والتعلم مدى الحياة، داعية إلى إلغاء الضريبة على الدخل بالنسبة لمعاشات التقاعد وأداء متأخرات الدولة لفائدة صندوق التقاعد بناء على القيمة الحقيقية لمستحقات الصندوق المغربي للتقاعد، وإلزامية استفادة المتقاعدين والمتقاعدات من كل زيادة في الأجور أو الحد الأدنى للأجر الذي تقرر من خلال مخرجات الحوار الاجتماعي على غرار الفئة النشيطة، والرفع من الحد الأدنى للمعاش إلى 3000 درهم، والتصريح بالأجر الحقيقي الكامل للعمال والعاملات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، معتبرة أن الحماية الاجتماعية حق من حقوق الإنسان وضرورة اقتصادية واجتماعية تستوجب إعادة توزيع الثروة والإدماج الاجتماعي، وهي مسؤولية تقع على عاتق الدولة تجاه مواطنيها ومواطناتها.
ويذكر أن الحكومة المغربية تعتزم القيام بإصلاحات جديدة تهم أنظمة التقاعد، من أجل مواجهة شبح الإفلاس الذي يهدد صناديق المعاشات، حسب تصريحات وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، التي كشفت أن الحكومة تدرس حاليا إمكانية الزيادة في المعاشات لمتقاعدي القطاع الخاص بنسبة 5 في المائة، وذلك تماشيا مع مقترح المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.