رسالة إلى من يهمه الأمر
يبدو أن الأمور لا تبشر بخير ونحن نعيش ظرفية صعبة وعصيبة. جائحة كورونا التي ابتلي بها المغرب كباقي دول العالم تحصد يوميا العشرات من الأرواح، وحصيلة الإصابات في تزايد مستمر يوما بعد يوم. قرارات حكومية عشوائية وارتجالية ومتناقضة طغت على كل المستويات فأربكت كل الحسابات، وكانت سببا في خلق العديد من البؤرالوبائية وانتشار كبير للعدوى. قرار فتح أسواق بيع الأضاحي الذي لم يكن سوى انبطاح للحكومة أمام مطالب، بل نزوات من له المصلحة في بيع عينة الصردي المتواجدة بضيعات كبار الفلاحين ومربي الماشية، ولا يغرنكم أحد بادعائه أن الترخيص بعيد الأضحى كان مراعاة لظروف الفلاح البسيط الذي ترك عرضة لسرقة أكباشه ببعض الأسواق. والأخطر من ذلك كله، القرار المفاجىء القاضي بإغلاق المدن ونحن على بعد ساعات قليلة من عيد الأضحى، فكان الحدث مادة دسمة للمنابر الإعلامية ونال حظا وافرا بنشرات الأخبار وبقصاصات الأنباء المحلية والدولية، وكان من نتائج القرار الطائش أن سبب في نزوح مئات الآلاف من المواطنين الذين كانوا يسارعون الزمن في محاولة منهم للوصول لوجهة سفرهم قبل حلول منتصف الليل، موعد بدء تنفيذ القرار مما خلف، وللأسف، عدة مآس تمثلت في حوادث سير مميتة وخسائر مادية كاحتراق العشرات من الناقلات بالطرق المكتظة عبر ربوع المملكة، وقضاء بعض المواطنين عيد الأضحى بعيدين عن أسرهم، ومنهم من وجد نفسه يتسكع بالمحطات الطرقية وبأزقة وشوارع مدن هم غرباء عنها.
ونحن نتناول هذه السلبيات التي ساهمت وتساهم في تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد وحتى السياسية، لا بد من التطرق لظاهرة الريع والنهب والفساد الذين ازدادت حدة تفشيهم ببلدنا في غياب المحاسبة والردع، وهي عوامل ستكون لها، لا قدر الله، عواقب وخيمة على البلاد والعباد. المواطنون نفذ صبرهم وبحت أصواتهم بالمطالبة بالإصلاح وملاحقة ومتابعة المفسدين، والمسؤولون صموا آذانهم وكأن الأمر لا يهمهم لا من قريب أو بعيد، ما جعل الفساد يستفحل ويستأسد، فتمترس المفسدون والمستفيدون من هذه الوضعية الخطيرة خلف سور صمت وغض بصر مسؤولين ربما يتبادلون الأدوار فيما بينهم في إطار اقتسام الكعكة.
لاتبدو في الأفق أي بوادر أو نوايا للإصلاح، ما جعل المواطنين أمام واقع مرير ومصير ومستقبل غامض. فالمواطنون فقدوا الثقة في مؤسسات الدولة وأصابهم ما أصابهم من اليأس والإحباط، وأصبح كل من له هم الإصلاح يحس باليتم، وما يؤسف له أن الشعب المحروم من أبسط حقوقه، هو المتهم الوحيد دوما في سلسلة جرائم اقترفت وتقترف في حقه منذ عقود طويلة، وكل ذلك عن سبق إصرار.
لهذا، لا بد من أن ينخرط الكل في محاربة ومكافحة الفساد، لما له من انعكاسات سلبية على المجتمع، ولكونه يشكل إحدى العقبات الرئيسية التي تعيق التنمية والاستقرار في أي بلد. ولابد لكل مسؤول من محاسبة النفس، والأزمة كما يقال، تظهر معدن الرجال. فيجب إيجاد حلول سريعة وناجعة لما يتخبط فيه المغرب من مشاكل على كل المستويات والأصعدة وعلى رأسها الريع والفساد. ويجب أيضا على المؤسسات الدستورية للبلاد أن تقوم كل منها ، وبشجاعة، بالدور المنوط بها عوض هيمنة مؤسسة بعينها، وتقف موقف المتفرج ينحصر دوره في التطبيل والتصفيق، فلم نعد نطيق أن نسمع أو نقرا ما يكتب عن بلادنا، من قبيل، ”ربط المسؤولية بالمحاسبة… “دستور” يرعب المسؤولين في المغرب”.
لتتحلى المؤسسات الدستورية بما فيها الأحزاب السياسية بالشجاعة الكافية والمطلوبة لمناقشة كل ما كان يدخل في خانة الطابوهات أو المسكوت عنه، وهذا كان ولا زال مطلبا لبعض السياسيين الغيورين على الوطن، وربما أن باقي ممثلي الأمة لم يستسيغوا هذا المطلب، ولربما ظنوه أو اعتبروه من المحرمات التي لا يجوز ولا يحق لأي كان الاقتراب منها، فلماذا تطرح أصلا للمناقشة إن اعتقدوا ذلك؟
ستمر الجائحة بإذن الله، فلا بد من عملية تقييم ومحاسبة تهدف لإعادة ثقة المواطنين في المؤسسات بل وتعزيزها، وتفعيل مبدأ النص الدستوري ”ربط المسؤولية بالمحاسبة”، ولا بد إذ ذاك من إيقاظ الهمم والضمائر ليحس كل فرد بداخل هذا الوطن بالمسؤولية الملقاة على عاتقه لبناء مغرب جديد ومتماسك، وإن غدا لناظره لقريب.
عبد الرزاق الحيحي