عبد الصمد بوحلبة
قرب حاوية للأزبال، ذات يوم من صيف 86 بقصبة تادلة، وجدت صفحات من رواية مجهولة..! ولمّا شرعت في قراءتها، مباشرة في نفس المكان، شعرت ببوادر انتصاب قضيبي! كان أسلوبها بسيطا ومعانيها قوية وواقعية.. كانت تصف الأحداث والأحاسيس بشكل دقيق، يجعلك تشعر بالحدث وتسمع صوت المتحدث! وبدى لي أن كاتب هذه الصفحات التي وقعت بين يدي، والذي استطاع نقل الأشياء القبيحة والجميلة من الواقع إلى الرواية، بهذه القوة وبهذا الزخم وبطريقة إبداعية، كاتبٌ كافرٌ أو صعلوكٌ مجنون أو على الأقل إنسان لا يخشى الله! انتبهت على إثر صوت سيارة عابرة، إلى كوني أقف وسط الأزبال المحيطة بالحاوية شبه الفارغة! وقاومت رغبة جارفة في ممارسة العادة السرية، وراء شجرة ضخمة مثالية، بسبب محتوى تلك الصفحات الأشبه بالمشاهد البورنوغرافية..
أخذت معي تلك الأوراق السحرية إلى البيت، وخبأتها بحذر وقلق، تحت التراب، في زاوية من خم الدجاج بحديقة منزلنا/ڤيلا المخزن أو ما يعرف بالسكن الوظيفي..وجدت السرد بهذا الأسلوب الشيق الأقرب إلى الدارجة، يشبه البث المسرحي، وتتمادى الكلمات في فضح المعاني، ويخدش توالي العبارات الحياء الإنساني.. بأسلوب “حيواني” خُطَّتْ هذه الصفحات، كذلك يشعر المرء في مدينة صغيرة هادئة ومخيفة آنذاك مثل تادلة..
وبعد شهور من النهم والهضم والمتعة والإثم، علمت أن هذه الصفحات هي من تلك الخطيئة الخطيرة حينذاك: “الخبز الحافي” التي أنفرد بها وحدي، في هذا البيت المحافظ الذي يعوله رجل تربية وتعليم ومناضل سياسي أمين..كنت أستغل جولاتي المتكررة، والمثيرة للشكوك إلى دورة المياه، لأكتشف تحرش الكاتب بالتفاصيل، وإصراره على التعري بدل البوح..منذ ذلك السن من تلك السنة، وأنا أعتقد أنه ليس هناك داعي لهذه السيرة، حتى ولو كانت سردا واقعيا لحياة الطبقات السفلى من المجتمع. في تلك الفترة من المغرب! حتى ولو كانت لروائي مغربي كان يأكل من القمامة وينام في الشوارع!
إذن هي لصعلوك طنجة العالمية، الصفحات الثمينة والآثمة التي بين يدي، هي للمغربي الوحيد الذي يتمتع بأسلوب كتابة خارق ولن يتكرر، أو كمن “يكتب بشفرة حلاقة” كما وصفه أحد النقاد.. وبعد ثلاثين سنة، مازلت أجد نفس الصعوبة في قراءة “الخبز الحافي” وتقبل سنوات الجوع والفقر والهجرة والجريمة..والدعارة والبطالة! وحده الكأس، بمنأى عن الثمالة، هو الكافي لهضم هذا الخبز الحافي ومقاومة ذكر حبيب تهيم به أو بغيض تسعى لإيذائه! وبالكأس وحده تفهم كيف قدم المنع ولم تتأخر الرقابة، بخدمة رواية محمد شكري، التي اشتهرت بين القراء في العالم العربي..ولن تفقد، أنتَ أيها الغارق في فضاء الفايسبوك الأزرق، سوى ساعات من يومك من أجل قراءتها، و”مشاهدة” أحداثها العنيفة والفاضحة..لقد اختار محمد شكري مبكرا جدا، أن يقول كلّ شيء دفعة واحدة..ولعله كان يشعر قبل مرحلة البلوغ وعند بوادر الدهشة الذاتية بحتمية النهاية الثابتة..!