آخر الأخبار

اوراق من المغرب الراحل …خواطر مبعثرة

عبد الصمد بوحلبة 

عندما تعرفت على “صاحبنا” في النصف الثاني من عام 1993، أدركت أن مغامرات جديدة وعوالم أخرى ستطبع مستقبل حياتي.. لا أريد أن أبدو مدعيا ولكني حاولت أن أكون مثاليا، في علاقاتي وانفعالاتي..في ظرفية كان طابعها العام يغلب عليه الشك والحيرة والخواء.. كان الحديث بين الطلبة عن الحب والجنس وعن الحلال والحرام، يدار بنبرةٍ مبتذلةٍ وفجّة، تثير بداخلي الإشمئزاز والغثيان.. ولا شك أن هذا مجرد تعميم الآن! ومن المرجح أن أجد بينكم مَن يتفق معي، حتى اليوم، في هذا الرأي.. وعلى أية حال، فعلاقاتي مع الطالبات لم تكن سهلة حقا.. كنت أحب أن أوقظ شعور الغيرة بداخل كلّ واحدة منهنّ، لأرى ذلك الخيط الرفيع الفاصل بين الحمرة والحرمان. وهذا ما كان يبهجني، خصوصا عندما أكون في حالة “كفر”، أقصد في حانة سكر.. وسرعان ما بدأت أتقبل العزلة كوضعية انتقالية، رغم وجود صديقات مقربات في محيطي الإجتماعي.. واكتسبت كل أنماط التكيف والتشكّل، وسارت الأمور بشكلٍ عادي حتى التقيت بخديجة..بنت القصبة بالمدينة القديمة..كانت بشرتها بيضاء كالثلج وعيونها خضراء وذات شعر أشقر، وكدت أشقى بسبب صدرها الممتليء وشغفها بنفسها المتنامي..كانت تنتفض برفق وكنت أستجيب برقة متناهية، ابتغاء اللحظة الفاصلة والهاربة!
بدأت علاقتي بخديجة تتلاشى، وأدركت بأن هناك أشياء لا تخصني في هذه الشابة الفاتنة.. كانت بضعة أشهر كافية لتؤكد صحة ذلك الشعور المريب الذي يتنامى، في مشاعري، مع توالي لقاءاتنا..سألتني يوما بشكل مفاجئ: -أتؤمن بالحب من النظرة الأولى؟! وتحت تأثير انتشاء واضح أجبتها: -فقط إذا دامت نظرة الحب تلك، لسنوات طويلة! ابتسمنا معا وتأسفت لوحدي لهذا الإنزلاق الخطير الذي تشهده أخلاقنا..وشرعت أفكر بالهجرة من هذا الوطن، كما لو كانت حلاً لكلّ انكساراتي..لم أكن بريئا، ولكني حاولت على الأقل ألا أكون متهما.. لم تعد خديجة خائفةً من الخطيئة، استغفرت الله أنا واستعادت هي بهجة الشباب والجمال والتألق بملابس راقية وأناقة عالية، وفي ملابس “الپال” قدر لابأس به من راحة البال.. واستطاعت بسحرها استعادة شعلة توهجي لشهور متصلة..عناق، قبلات، وعضة وضمات..وفي الأيام المطيرة ألوذ بغرفتي، حيث يحلو لي تذكر بعض اللقطات والتحسر على باقي اللحظات التي مرت بلا طموحات مرئية ولا محاولات فردية!
لا ألتقي الأستاذ عبدالإله بشكلٍ منتظم..غير أننا نقضي الساعات في تبادل الحديث ومباغثة الأفكار ومقاومة الوعي بأشياء تمسنا مباشرة، كشباب فارغ يبذل جهدا ضائعا..وكنا نحرص على عدم التطرق إلى أمورنا الشخصية ليس بسبب الخصوصية والحميمية، ولكن لأن كل التفاصيل كانت واضحة، واحترامنا للحقيقة كان يقتضي تقبل كل واحد منا الآخر، حتى ولو كان هذا “الآخر” ابنَ مناضل ومدير ثانوية أو ولدا لإمام وتاجر كبير..! كانت شخصيتنا تنمو ببطء، كما لو كانت زهرةً نرجسيةً.. ثم نحتسي كؤوساً من النبيذ الأحمر بحجة الفراغ والبرد عادة..وبدافع العناد صراحة! سألته يوما: «كيف كان بوسع عمر الإقلاع عن شرب الخمر؟!!»..أجابني وهو يبتسم: « أخشى أن يكون عمر ظلّ يشرب الخمر..ولكن بعد صلاة الفجر..!».