انتقال النضال من المحلي إلى الوطني ( الدعوة إلى إصلاح التعليم )
أثناء الزيارة ، التي قمنا بها إلى الرباط ، تلبية لدعوة حزب الاستقلال ، والتي كان الغرض منها تكريم لجنة الطلبة المنتفضين 2 وجه الكاروي ، ثم الاتصال بالملك محمد الخامس ، إذ زرناه في القصر ، وحكينا له ما حصل تنا مع الباشاء فأبدى تأسفه ، وعبر لنا عن ألمه لما عانيناه ، مستنكرا العنف ، الذي تلقيناه ، واقترح علينا زيارة مولاي الحسن ( ولي العهد ) ، في حي السويسي ، وسماه ، في ذلك اللقاء ، ب ” سميت سيدي ” . ثم أكد لنا أنه سيخبره ، مسبقا ، بزيارتنا . زرنا ولي العهد في قصره ، فعبر لنا عن ا والألم ذاته ، كما كان عليه الأمر مع محمد الخامس ، وقال لنا : – إنّني تمنيت لو كنت معكم في المحنة ، وثم جلدي كما جلدتم . فأنا شخصياً ، أعجبت بتدخله ، لأنه كان يتحدث عن النضال ، ويستدل بأحاديث نبوية ، وآيات قرآنية ، الأمر الذي لم نكن نتصوره بهذا المستوى من الثقافة العربية الرصينة ، والاطلاع على النصوص الدينية . ولذلك خرجنا معجبين به . كان لنا انطباع مهم عن محمد الخامس ، وعن ولي العهد ، وهو ما زاد في تقوية إيماننا بقضيتنا الوطنية ، كما زاد في حماسنا للدفاع عنها . بعد عودة عبد الله إبراهيم من فرنسا ، التي مكث فيها أربع سنوات قصد الدراسة ، سطرنا برنامجا ثقافيا كان هو المشارك البارز فيه ، حيث كان يحضر معنا ، أسبوعيا ، وكان يطلعنا على الخريطة السياسية في العالم المتقدم ، وخصوصا في أوربا ، لأول مرة تعرفنا ، من خلاله ، الكتلة الشرقية ، والكتلة الغربية ، والاتجاهات السياسية لهاتين الكتلتين . واطلعنا كذلك على النظريات الفلسفية في ذلك الوقت ، بحيث كان يحدثنا سهاب عن الفرق بين اتجاهي هاتين الكتلتين : الكتلة الاشتراكية شرقا ، لكتلة الليبرالية غربا . إضافة إلى كل هذا ، كان يستدعي شخصيات شافية كبيرة تؤطرنا من خلال محاضرات في تخصصاتها ، سواء 2 اکاريخ ، أو في الآداب ، أو في السياسة ، أو في الاقتصاد : مثل عبد الكريم غلاب هدي بنبركة ، والسي محمد الفاسي ، ود . حجي ، إضافة إلى عدد ك شخصيات بارزة كانت تلقي دروسا كل خمسة عشر يوما .
كان لهذا العمل وقع في حياتنا ، وي تكويننا ، وي تنقيفنا سياسا وأدبيا ، وأيضا على مستوى التاريخ ، أي في جميع الميادين ، والتخصصات كما كان له أثر على الطلبة ، الذين أصبح لهم اطلاع على وسائل التعليم وسبل إصلاحه في المغرب ، وهو ما دفعنا إلى التفكير في إصلاح التعليم الأصيل ، مقارنة بالتعليم العصري ، الشيء الذي مكننا من التفكير – تقديم وثيقة نطالب من خلالها بإصلاح هذا القطاع الحيوي ، وجعله تعليما يساير العصر ، وطالبنا بإدخال مواد علمية ، لأن التعليم الأصيل كان يقتصر على العلوم الشرعية ، والأدب ، والحساب ، في مستوى محدود حفزنا هذا إلى أن نقدم وثيقة إلى السلطات ، وإلى الملك ، باعتباره المسؤول الوحيد عن التعليم الأصيل . قدمنا بين يدي محمد الخامس وثيقة إصلاح التعليم ، وشرعنا – الآن ذاته في مناقشات مع طلبة مكناس وفاس ، لتوحيد الكلمة حول هذا المطلب : التجديد والإصلاح لفائدة هذا التعليم ، الذي لم نكن راضين على الطرق والأساليب التي يمارس بها . اتصلنا بالطلبة المكناسيين ، فأكدوا لنا تجاوبهم مع مطالبنا ، أما الطلبة الفاسيون ، فكانوا في وضعية مختلفة ي مراكش كان جل طلبة ابن يوسف استقلاليين ، وأقلية منهم كانت تنتمي إلى حزب الشورى والاستقلال . وقد تبين لنا من خلال انتخابات اللجنة أن كل أعضائها كانوا منتمين إلى حزب الاستقلال ، ولم يكن فيها شوري واحد . وتتكون اللجنة من عمر البيضاوي ، أحمد الشهيدي ، محمد الحبيب بن موح ، عبد السلام الجبلي ، محمد المسيوي ، الفقيه الفيكيكي ، بوشعيب البيضاوي ، بوشعيب الدكالي ، علي التزكيني . أما في فاس ، فقد اعتذر طلبة القرويين ، بدعوى عدم قدرتهم على إجراء عملية انتخاب ، وتكوين لجن ، وكانوا يتذرعون في ذلك بأن الشوريين سيمثلون في اللجن ، وهو ما لم يكن يتوافق مع سياسة حزب لاستقلال . وبالفعل ، فقد كان الصراع على أشده بين الطلبة ستقلاليين والطلبة الشوريين ، وقد أدى بهم إلى تبادل الاتهامات ، فكان زب الاستقلال يتهم أعضاء حزب الشورى بالتعاون ، في بعض الأحيان ، السلطات الفرنسية .
لذلك كان الاستقلاليون متخوفين من صعود الشوريين في الانتخابات ، مخافة أن يبلغوا عنهم ،في بعض تحركاتهم ، وهو ما سيجعل حزب الاستقلال مكشوفا ، حسب زعم الإستقلاليين ، أمام الإدارة الفرنسية . الأصيل ، مما سيعزز المطالب ، التي ستقدم للسلطات لأجل إصلاحه ، كان أعضاء الحزب قد اقترحوا علينا عقد اجتماع يضم طلبة القرويين طلبة فاس ، في الدار البيضاء ،في فيلا الشرايبي ، حضره كذلك طلبة لإقناعهم بجدوى تكوين هذه اللجن . وي هذا الصدد نظموا لنا اجتماعا مع مكناس ، فدام هذا الاجتماع يومين أو ثلاثة لإقناعهم بضرورة انتخاب لجن تتحمل مسؤولية مطالب الطلبة ، وتتحمل كذلك المسؤولية في اتحاد الطلبة ، لأن طلبة مكناس كونوا لجنهم ، وبقي طلبة فاس الذين ثم إقناعهم في آخر المطاف ؛ إلا أنهم لم يلتزموا بتطبيق بنود الاتفاق .
انتقال النضال من المحلي إلى الوطني ( تدويل القضية الوطنية )
بعد رجوعنا من الدار البيضاء ، كانت قضية المغرب قد أدرجت في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، في شتنبر 1951 ، برغم اعتراض فرنسا ، التي رفضت تدخل الأمم المتحدة ، في الشؤون المتعلقة بالمغرب وتونس . وقد تضمن إدراج قضية المغرب في الأمم المتحدة اتهام الحركة السياسية للحكومة الفرنسية بالاستبداد ، وفرضها لنظام استعماري لا يتوانى عن قمع المواطنين ، والتنكيل بهم . وباسم الشعب العربي طالبت الحركة السياسية بالاستقلال . وهوما سبق أن التزمت به لےنسا وأمريكا ، في مؤتمر أنفا بالدار البيضاء ، الذي انعقد بين 14 و 24 يناير 19 ، والذي حضره الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ، والوزير الأول ريطاني ونسطون تشرشل ، وممثلو اللجنة الفرنسية للتحرير في فحص الجنرالين شارل دوكول ، وهنري جيرو ، إضافة إلى السلطان مد الخامس .
فرنسا وأمريكا ، ولم يفيا بما تعهدا به محمد الخامس فالفرنسيون كانوا يواجهون الوفد المغربي في هيئة الأمم المتحدة على أنه لا يمثل الشعب المغربي ، ويدعون أن الشعب المغربي راض على تصرفات الحكومة لانها توفر له الامن وامكانيات الترفيه .
وعلى إثر هذا الاتهام ، قررت الأمم المتحدة أن تطلع على الوضع للاطلاع على أحوال المغرب ، مشكل من أعضاء ينتمون إلى بلدان أمرية المغرب ، وتتحقق مما يدعيه الفرنسيون ، وبذلك تم الاتفاق على بعث وفير وفد أمريكا اللاتينية في زيارة للمغرب ليستطلع ما يجري فيه ، ولتاد اللاتينية ، نظرا لحيادهم + هذا الصراع الدائر بيننا وبين الفرنسين حل مما إذا كان المغاربة يطالبون حقا بالاستقلال ، أو يؤيدون بقاء الفرنسين في المغرب . عن طريق منهجية المذكرات ، أي صياغة مذكرة عن كل إقليم زاره كانت مبادرة الحركة الوطنية تتمثل في تنظيم اتصال مع الوفد ذلك الوفد . لما تقرر أن يأتي الوفد لزيارة مراكش ، قررنا أن نقوم ، بصفتنا قاعدة مغربية أخرى ، بأسلوب آخر يظهر ، جليا ، أن الناس متضررون ، ويطالبون الحزب في مراكش ، بعمل مغاير للذي كان الحزب يقوم به 4 مناطق بالاستقلال . وعليه ، قررنا أن نقوم بمظاهرة أثناء وجود الوفد الأمريكي اللاتيني قبل تقديم المذكرة ، فكان تنظيم هذه المظاهرة تنظيما محكم على الخطة . بحيث لم تستطع المخابرات الفرنسية ، ولا أعوان الباشا الكلاوي أن يطلعو على الخطة .
فكيف نظمنا هذه المظاهرة ؟
طلبنا من كل مجموعة أن يأتي أفرادها فرادى : مجموعة تذهب إلى ” ابنا كوال ” ، فيما تتجه مجموعة أخرى إلى عرصة مولاي عبد السلام وأمرناهم بأن يختبئوا فيها ، ولا يأتون إلا فرادى ، عندما يصلهم الخير بالانتقال من مواقعهم إلى مكان المظاهرة . ولما أشعرنا بأن الوفد سيصل إلى فندق المنارة أمام عرصة مولاي عبد السلام ، نظمنا شبكة الاتصال من الفندق حتى المطار ، تتكلف بإخبار المجموعتين حالما يصل الوفد إلى عين المكان . وبمجرد ما وصل أمرنا الناس المختبئين في غابة ” ابناكوال ” ، وفي عرصة مولاي عبد السلام بالخروج للتظاهر ، في الشارع الممتد ما بين فندق المنارة ، ( حاليا ) ، ونافورة باب الجديد على الطريق المؤدية إلى الفندق نفسه . كذلك خرجنا للقاء وفد أمريكا اللاتينية ، وكذلك قدم إليه أعضاء اللجنة المكلفة المذكرة ، وطالبوا أعضاءه بتقديمها لهيئة الأمم المتحدة . بينا فيها أن المغرب يطالب باستقلاله ، وأنه مساند لوفده السياسي ، الذي يحضر جلسات هيئة الأمم المتحدة . نزلت هذه المظاهرة صاعقة على الإدارة الفرنسية وعلى الباشا الكلاوي لأنها فاجأتهم ، خصوصا وأن بوادرها لم تكن بادية للعيان ، وكانت محكمة التنظيم . كانت الشوارع خالية من المارة ، وفجأة خرج جمع من المتظاهرين ، في لمح البصر ، وملؤوا الشارع عن آخره ، فكان لهذه المظاهرة تأثير كبير على صعيد المغرب : إذ تبين أنّ حركة مراكش منظمة ، ومؤهلة للنضال بأشكال متنوعة ، وغير منتظرة . كانت هذه المظاهرة شبيهة بمظاهرة القيسارية ، التي تم فيها جمع البؤساء والمشردين ليفاجئوا المقيم العام ، وكاتب الدولة في الطاقة ، الفرنسي رماديي . كانت صدمة إضافية قوية لجهاز المخابرات ، ولزبانية الباشا الكلاوي ، التي أظهرت عدم فعاليتها . بعد ذلك اتصل الوفد بالمسؤولين ، الذين قدموا له مذكرة المطالبة بالاستقلال . ي الصباح الباكر لليوم التالي ، ألقي القبض علينا .