تنظيم المقاومة وتوسيع مجالها
بدأنا نفكر في المقاومة منذ وجودنا في تازنات ، مع ورود احتمال الاصطدام مع الإدارة الفرنسية . ولما نقلنا من السحن الى مراكش استأنفنا عملنا و نشاطنا السياسي ولم يزغ تفكيرنا قط عن المقاومة ، كانت علاقاتي بحي القصبة متينة جدا ، تطبعها الثقة والصدق ، وخصوصا مع محمد البقال . وكانت ردود فعل عائلته وظروفه ملائمة ، فوالدته وإخوته وأخواته كانوا يسايروننا في بتطبيق كل ما نطلب منهم القيام به . كل خططنا واتجاهاتنا ، إذ كانوا متشبعين بالفكرة الوطنية ، وملتزمين ” أمي رقية ” ، أو بأخواته . وبكلمة ، كانت عائلة محمد البقال مثالية ، سواء تعلق الأمر بأمه : وهناك عائلة في الدار البيضاء هي عائلة عبد الرحمان الورداني ، تشبه إلى حد كبير عائلة محمد البقال ، في مراكش ، أو أكثر ، وإني لممتن لعائلة الورداني إذ رافقت الحركة الوطنية من البداية إلى أن خبا الحماس ، وقد قامت بأدوار وطنية كثيرة من خلال إيوائها للمناضلين الفارين من رصاص قوات الحماية ، أومن تعقب شرطتها ، وأسعفت الجرحى ، وبذلت المال لتأجيج الحماس في المقاومين … كان لدي اطمئنان كبير لعائلة محمد البقال من الناحية الأمنية ، أشك ، قط ، في ذلك . أما أخوه أحمد ، فإنه لم يكن يهتم للجانب السياسي ، كان يشتغل مع أحد أصهاره ، ومع ذلك ، فقد كان منخرطا في نضالنا .
كل هذا دفعنا إلى أن نفكر في تنظيم عمل المقاومة في دار محمد البقال.
والواقع أن عملنا المتواصل ، – قصبة مراكش ، قد أفادنا بأن توسعت قاعدة المهتمين بشأن العمل التحرري ، فقررنا أن ننقل التجربة إلى باقي وكان أن فوجئت ، أثناء تكويني للخلايا ، بمحمد بن ابراهيم الصرير الذي كان طالبا في ابن يوسف ، ويقطن في مدرسة زاوية سيدي بلعباس فوجئت بدقة تصوره للعمل النضالي ، وهو ما جعلني أشاطره تصوره وآراءه . كان يتميز بحماس كبير يجعله لا يتحمل التريث ، الذي كنت أحياء مراكش . أوصيه بالالتزام به . ولا أنسى المناضل الأحمدي عبد السلام بن الشرقي ، وهو الفقيه الوحيد في جامعة ابن يوسف ، الذي شارك في المقاومة المسلحة . كان فقيها متفتحا ، جعله تفتحه يهتم بمستقبل بناته ، وأبنائه . شارك مع جماعته التي كانت تضم عناصر من التنظيم الأول للمقاومة السرية : ( حمو أمراغ ، والضرير ) ، ثم توارت عن الأنظار إلى أن ألقي القبض على جماعة حمان الفطواكي . إذاك برزت جماعته من جديد ، واستهدفت الطاغية القبطان الأعرج المشؤوم ، فصفته . كما قامت بمحاولة تصفية الحاج إدار ، الذي كان بمثابة الساعد الأيمن للكلاوي . ي إطار توسيع عمل المقاومة على باقي أحياء مراكش حرصت ، من جهتي ، على ألا أنتقي إلا العناصر ، التي أبدت استعدادا كبيرا للعمل النضالي . كما عكفنا على اختبار درجة استعداد العناصر الجديدة ، وهو ما تطلب منا وقتا طويلا للتحقق والتأكد من مؤهلاتها ، وصدق نواياها . بعد ذلك جاءت أحداث سياسية كبيرة جعلت هذه الدينامية تتوقف نظرا لعلميات القمع الواسعة ، التي عمت المغرب ، نتيجة قيام الشعب المغربي بمظاهرات ، واحتجاجات تندد باغتيال النقابي التونسي فرحات حشاد ، 2 عام 1952. توي على إثرها متظاهرون كثيرون ، ومجموعة من العناصر من سلطات الحماية . فاعتقلت السلطات الفرنسية عناصر كثيرة من حزب الاستقلال و من ضمنها عناصر قيادية سواء على المستوى المركزي او في الأقاليم المغربية، وزجت بالبعض الآخر في في السجون .
كان عبد الله إبراهيم قد تعمد أن يدعو النقابة إلى حشد الناس وحثهم على الإضراب ، دعوة شفهية حتى لا يترك إثباتا يدينه بتورطه 2 شيء ، وعليه ، عجزت المحكمة العسكرية الفرنسية ، التي كانت تحلم بالإمساك بدليل يخول لها إعدام الشخصيات القيادية في الحزب ، عن إثبات كشف عن النوايا الحقيقية لشراسة سلطات الحماية أي شيء بشأن ذلك التنسيق . ولذلك قامت باعتقالات مرتجلة ، وهو ما إلا أن تلك الضغوط لم تثننا عن المضي قدماً ، في العمل النضالي . أحدثت هذه الحوادث ارتباكا لدى بعض العناصر المتحمسة للنضال . فيما اكتشف أمر سلطات الاستعمار ، وهي تعد العدة للتخلص من محمد الخامس ، إن بمساعدة القواد أو الباشاوات أو الفقهاء الخونة الموالين لها . فكرنا في طرح السؤال على قيادة احتياطية للحزب أشيع أنها تكونت بديلا عن اللجنة التنفيذية ، التي تعرضت للاعتقال ، ومن بين أعضائها البشير بلعباس التعارجي ، الذي كان مكلفا بمنطقة الجنوب ، التعارجي هذا كان له موقف آخر ، إذ كان يعتقد أن الفرنسيين عاجزون عن الذهاب بعيدا ، في تنفيذ مؤامرة خلع ملك البلاد . واعتقاده هذا ناتج – على حد قوله عن فشل فرنسا من قبل ، في شخص المارشال جوان ، في الحصول على اتفاق أمام جمعية الأمم المتحدة بشأن خلع محمد الخامس عن عرش مملكة المغرب . لم نتوصل إلى نتيجة مع التعارجي لإقناعه بغير ما كان يعتقده ، إضافة إلى أن تحليله للأحداث لم يقنعنا في شيء ، وكان يعتبر ، بالإضافة إلى ذلك ، أن أي تحرك سيعود على القيادة المعتقلة بنتائج وخيمة ، مما كان يستوجب في نظره تجنب أي عمل ضد سلطات الحماية .
لم يقف التعارجي عند هذا الحد ، وإنما اتصل بعضوي الحزب هو الصديق الغراس ، وأمره بإخبار جميع عناصر مراكش ، وتحذيرهم من عبد السلام الجبلي ، لأنه – حسب رأيه – مندفع ، وربما كان مدفوعا ، لدن الغير للانتقام من القيادة السياسية المعتقلة . وفعلا تم الاجتماع – مراكش مع جل العناصر ، التي كان أغلبها قد تشاور معي په شان حضور من هذا الاجتماع من عدمه ، فكان جوابي أن الكل يعرف الحقيقة ، ويمكن للكل أن يناقش المسألة ، ويبدي رأيه فيها ، قبل أن يتخذ أي قرار . كنت دائما أحرص على أن يكون عنصر الثقة متقاسما فيما بيننا منذ الوهلة الأولى من النضال ، وليس لأي شخص الحق في التشكيك فيه . كان التعارجي ينظر إلى مؤامرة سلطات الحماية لنفي الملك الشرعي نظرة ضيقة لا تفرق عن نظرة محام منشغل بالقانون ، لأنه كان ، بكل بساطة ، عاجزا عن أن ينظر إليها من خلال أفقها السياسي ، وتداعياتها على المغرب والمغاربة . في هذه الأثناء تمكنت سلطات الاستعمار من خلع محمد الخامس ، خلافا لما اعتقده التعارجي ، وشرعت في استعداداتها لتنصيب ابن عرفة ، ناوية أن تُعلن عن ذلك في منابر خطباء الجمعة ، وكان مقررا أن تقوم عناصر من الدار البيضاء بمحاولة إفشال فكرة ما كان يسميه المتآمرون نصر ” ابن عرفة ” ، غير أن العملية اقتصرت على شخصين هما : عبد القادر الكرماعي ، ومولاي الكبير اليوسفي ، اللذان أدركا أن خطة المتآمرين ارتكزت على أن يمسك الخطباء عن الدعاء للملك الشرعي محمد الخامس ، في خطب تلك الجمعة ، وأن يدعوا للمك غير الشرعي ابن عرفة ، ي خطب الجمعة اللاحقة ، والحصيلة أنهما ترصدا خطيب جامع المواسين ، حتى إذا أمسك عن الدعاء للملك الشرعي طعنه عبد القادر الكرماعي بمدية ، فأصابه بجراح بليغة ، ألقي عليهما القبض ، وحكما بثلاثين عاما لكل واحد ، لكن أطلق سراحهما بعد حصول المغرب على الاستقلال . وحين بلغني الخبر عن تنظيم مظاهرة في المشور ، وعرفت أن لاختيار ذلك البهو المواجه للقصر الملكي في مراكش دلالة خاصة : وهي الاحتجاج