السعي إلى التسلح ومحاولة تصفية المقيم العام في مراكش
طرحت ، كذلك ، مسألة الحصول على السلاح من الجنوب وكيفية تسلمه من العناصر المكلفة بذلك ، خصوصا من بلقاسم المدعو ما يوحل ” ، إذ يسلمه إلى سائق شاحنة كنا نناديه ابراهيم الشيفور ، وهو من كان مكلفا بتسليحنا ، كان يتصل به ، عادة ، بلقاسم ، وهو تاجرد كلميم ويعرف جميع مناطق المغرب ، كما يعرف أبناءه . يتنقل + جميع الأنحاء لأجل التجارة في السكر والشاي . وهو عنصر نشيط جدا ، تعاطف بشكل لافت مع مجموعة ممن كانوا معتقلين في كلميم ، ومن ضمنهم أعضاء من حزب الشورى ، مما أدى بأعضاء حزب الاستقلال إلى التحفظ من تعاملي معه ، لكنه كان في طليعة قائمة الأسماء ، التي سلمت لي * الدار البيضاء ، وبعد التحري اتضح لي أنه عنصر ثقة يمكن الاعتماد عليه ، زد على ذلك لم يظهر لي منه أي شيء يتطلب الاحتياط ، كما أن إبراهيم الشيفور زكاه لي أكثر . كنت قد تعرفت على إبراهيم الشيفور هذا جيدا يوم سفري من الدار البيضاء إلى أكادير ، بحيث كان هو ” سائق الشاحنة ” ، وكنت أنا ” شحامها ” . لبست وزرة زرقاء ، وتظاهرت بمساعدته ، أثناء السفر ، شحاما ، بوزرة ويدين متسختين . كنا نمر من نقط المراقبة بدون مشاكل ، وكنت أحسن التمويه على المراقبين . كانت شهادة إبراهيم الشيفور حول بلقاسم مهمة ، جدا ، شجعتني على التعامل معه ، في جو من الثقة . توجهت إذا إلى كلميم ، عند بلقاسم ، تحدثت معه حول السلاح ، الذي كنا في أشد الحاجة إليه ، وحول صعوبات خطية عدة مساحات ، في المغرب ، اتفقت وإياه على أن يبذل مجهودا كبيرا ، هذه المسألة ، وأن يعمل ما في جهده ليزودنا بالسلاح الذي نحتاجه ، في ار البيضاء كانت لبلقاسم شبكة علاقات مع ” امحازنية كلميم ” ، وخصوصا واحد منهم يدعى محمد علي ، وهو شاب صحراوي صغير السن ، أصله من قبيلة ” الركيبات ” ، دربه قبطائه على السخرة ، وعلى الطبخ . وكان ، تارة ، يلبسه لباسا شبيها بلباس ” علي بابا ” ، وتارة أخرى يلبسه لباس الصحراء ، وكان يرافقه دائما ، أما بلقاسم ، فكانت له ثقة تامة في هذا الشاب ( محمد علي ) ، لذا فقد اقترح علي أن أتصل به ، لعله يفيدنا ، من بعد . فحتى وإن أمرناه بتصفية قبطانه ، فإنه لن يتردد ، حسب تعبير بلقاسم . به اتصالا انفراديا ، دون أن أقحم التنظيم . التقينا به ، وجرى نقاش بيننا ، بعض الوقت ، فعبر لي عن استعداده للقيام بكل ما يطلب منه ، كان شابا طويل القامة ، ووسيما ، عقدنا اجتماعا ” المخازنية ” ، في ثكنة القبطان ، في كلميم ، عن طريق ” المخزني ” المدعو محمد علي ، أصبح الجميع مستعدين للانخراط في أي عمل ، في كل الأماكن التي زرناها في تافراوت ، أوي أقا ، أوي مراكز عدة من الجنوب . كما حضرت ، في موسم ” تالات ن يعقوب ” ، الذي كان موسما كبيرا تتردد عليه قبيلة آيت عطا ، ومركزا مهما في سوس ، يوجد فيه كثير من ” المخازنية ” . كوننا منهم خلية ، واتفقنا على أن يكون استعدادهم كاملا ، وعلى أنني مستعد لأن أبلغهم الأوامر ، في الوقت المناسب ، قبل الشروع في العمل ، واتفقنا وإياهم على كيفية الإنجاز . ولكي أسترشد برأي مناضل متبصر ، جدا ، أرشدني بولحيا إلى القاضي الحاج إسماعيل ، في ” ثلاثين يعقوب ” . تجاذبت وإياه أطراف الحديث حول إنشاء نواة لجيش التحرير ، والتمست منه ما يمكن أن يقدمه من مساعدة في هذا الشأن . تجدر الإشارة إلى أنّه خطر ببالي ، قبل عودتي إلى الدار البيضاء ، أن أزور محمد بنسعيد آيت إيدر ، في قبيلة ” اشتوكة ” . وبما أنني لم يسبق لي أن زرتها سألت محمد بولحيا عن مقر سكني بنسعيد ، فأدركت أنه يعرفه ، ويعرف والده ، التحقنا به ، وكان يمتهن الفلاحة ، وجدناه يهيئ ” بحيرة طماطم ” : حينها كانت الطماطم ما زالت في أول ظهورها ، هناك ، في ناحية سوس تناولنا أكلة بادارة مع والده . كان السوسيون يتناولونها ليلا ، في غالب الأحيان ، بدل ” الدشيشة ” ، أو الكسكس .
قدمني بنسعيد لوالده ، قائلا : – هذا طالب يدرس معنا ، 4 مدرسة سيدي بوعبدا اللي ، ولم يقل له جامعة ابن يوسف . لكن والد بنسعيد فطن للأمر ، ولم يصدق تلك المزحة ، بل سأله – سيدي بوعبد اللي ، ” ياك اسي ؟. متهكما قلت في نفسي ، بما أن بنسعيد يوجد – اشتوكة ، وبما أنه عنصر فعال من عناصر الحركة ، قبل أن يطرد من جامعة بن يوسف حيث سبق له أن اشتغل معنا في حركتها الطلابية ، كما أنه اضطر إلى أن يضرب 4 الأرض ، مشيا على القدمين ، من مراكش إلى اشتوكة ، بإسعاف مجموعات تكفلت بإيصاله من قبيلة إلى أخرى ، إلى أن وصل منهك القوى ، كما حكى لي ، وبما أنه منحدر من هذه المنطقة ، كما أنه احتك ، أثناء سفره ذاك ، بكثير من الأمكنة والقبائل ، وأنا أعرف الناس بالنشاط الذي كان يقوم به ، فلماذا لا أوكل إليه العمل التنظيمي في أكادير ؟. وبما أنني لا أتقن التحدث باللغة الأمازيغية ، ولكي لا يلاحظ عني ذلك أي كان ، فقد سلكت في مستهل جولتي بسوس سلوك الأبكم لأموه عن كل عين راصدة ، ربما تتساءل عن سبب وجودي هناك ، محاولا ألا تكون لدي ردود أفعال ، أو حركات ، غافلا عن تتبع الأصوات ؛ وهي أمور أتعبتني كثيرا وسط تواصل صاخب بين الناس . كان لباسي مبتدلا ، ويحاكي لباس أهل المنطقة : ” قشابة ” رئة ، ومرقعة ، وعمامة شبيهة بالمعتادة لدى أهل المنطقة ، وجلباب من نوع ” اسدى ” ، مرقع بقطع من الكتان وكان معي مختلفة الألوان ، وكيس من ” الخيش ” يحتوي على بعض المأكولات . العطار ضب صغير أداعبه كي يعتقد الناس أنني ” مول الدوا ” : أي كانت هذه بعض المظاهر ، التي أفادني بها ترددي ، في صغري على ساحة جامع الفناء ، فأسعفتني بإخفاء شخصيتي .
بقيت مع بنسعيد ، واقترحت عليه أن يتتبع العمل التنظيمي بأگادير، وسلمته قائمة بأسماء أفراد يمكنه أن يتصل بهم ، كما أطلعته على أعمال لا بد لهم من أن يقوموا بها . كان في حوزتي مسدس سرعان ما تركته له ليشتغل به مع من سيراه جديرا بتنفيذ العمليات ، واشترطت عليه الا يقوم ، هو شخصيا ، بتنفيذ أي منها ، وأن يكتفي بالتنظيم ، وإصدار القرارات ، فحسب : كان يوصي ، ويخطط للعمليات ، ويبقى بعيدا لكي لا يعرض نفسه للخطر . وبرغم أنني لاحظت أنه لم يعد يهتم بعمل المقاومة منذ عودته إلى قبيلته ، فقد ارتحت لكوني أقنعته ، أخيرا ، حتى قبل الاقتراح ، وأظهر نيته ، في المشاركة ، على النحو الذي حددناه . المطلوب ، وكيفية تطبيقه . ثم عدت إلى الدار البيضاء ، لقنثه كيفية استعمال المسدس ، ولازمته حتى ضبطنا النظام لكن ، وبدلا من تنظيم الجماهير وتوجيهها ، وتدريبها على القيام بالعمليات ، وأخذ جميع الاحتياطات ، بدأ بنسعيد يترصد خليفة الباشا بنحيون ، ويهتم اهتماما بالغا بتصفيته ، برغم أننا كنا قد قررنا ألا نصفي إلا من ثبتت لنا خيانته ، فقط : أي من سبق له وقام بأعمال ضدنا ، أو تعاون سلطات الاستعمار . كذلك كانت استراتيجيتنا : نتتبع من نريد برصد تحركاته ، وتحديد الوسيلة الناجعة لتصفيته . ثم نقوم بتعيين من يتكفل بتنفيذ ذلك ، محددين الوقت والمكان اللازمين . تصفيته لكن بنسعيد خالف كل هذا ، وبدأ يتتبع الخليفة المذكور ، وأثناء رصده له لم يراع ، بما فيه الكفاية ، الترتيبات التي كان يجب عليه تتبعها واحترامها . لم يلتزم بنسيعد بكل هذه الإجراءات الأولية المذكورة ، ولذلك لفت إليه الانتباه ، فتعقبوه ، وفي الوقت الذي أصبح في قبضتهم ، أخرج المسدس ، أطلق النار ، فأصاب ” مخازنيا ” ، فافتضح أمره . وبما أنه يعرف المنطقة جيدا ، ويعرف أن مدينة سيدي إفني هي أقرب المدن الرازحة تحت نير الاستعمار الإسباني إليه ، فقد فر إليها . كان هذا مجمل العمل الذي قام به بنسعيد ، قبل أن يفر إلى إفني ، ويبقى مختفيا هناك حيث سيلتقي بمجموعة من عناصر حركة المقاومة بسوس كانوا قد تورطوا ، بدورهم ، في عمليات فدائية لعدم اتخاذهم الاحتياطات اللازمة . خلال مقامنا ، في الدار البيضاء ، توقعنا زيارة المقيم العام لمراكش ، ففكرنا في استغلالها للقيام بعمل فدائي ضده . هكذا توقعت الأمر ، لكن الزرقطوني كان له رأي مخالف يتقاسمه مع مجموعة كانت تعتبر أن أي عملية فدائية ضد المقيم العام ستجعل ردة فعل الإدارة الفرنسية عنيفة اذ يتصعد كن عمليات انتقاما وستذهب ضخيتها عدد من الأطر والشخصيات المغربية ، أما أنا فكنت ضد هذا التوجه ، وصرحت لهم بالقول : عنيف ، إذ ستصعد من عمليات انتقامها ، وسيذهب ضحيتها عدد من الأطر – هذه أشياء نقوم بها من أجل محاربة أي عنصر يلعب دورا مهما ، أو يتوجب علينا تصفيته ، وليقع ما يقع . تعتمد عليه الإدارة الفرنسية ، وكل من توفرت فيه هذه الخاصيات حاولت سلطات الحماية أن تثقل على شعبنا لتقمع عبقريته كلما علينا أن تتصدى لمحاولاتها . تلك كانت قناعتي . وليقع ما يقع . قررنا ذلك ، وطلبنا من حمان الفطواكي أن يلحق بنا ، في الدار البيضاء لنناقش تفاصيل عملية تصفية المقيم العام ، ففعل ، ثم عاد إلى مراكش . كنا قد اعتمدنا على ما لدينا من قنابل ، مدركين أن الشخص الوحيد ، المرشح لتنفيذها هو مبارك بن بوبكر الرحماني ، فيما أوكلنا الآخرين حراسته . وفعلا ، قام بتنفيذ العملية ، لكن المقيم العام لم يصب هل تأخر عن الحضور ؟ هل مر بسرعة من الموقع المحدد لمروره ؟ هذه أمور نسيت تفاصيلها . المهم أننا كنا قد قررنا أن تنفذ العملية ، في باب ” النقب ” ، وهو الباب الذي فتحه الفرنسيون في سور مراكش ليربطوا المدينة القديمة بحي جليز ، ذي الشكل المعماري الأوربي ؛ ولذلك كان يسمى بالحي الأوربي . ي هذا المكان ، أي في باب ” النقب ” ، تقرر تصفية المقيم العام . لأنه المكان المخصص لاستقبال الشخصيات الرسمية ، إذ يفرش الزرابي ، ويحضره القواد ، والأعيان ، ويقدم الحليب والتمر . كان لتنفيذ ذه العملية صدى ، برغم نجاة المقيم العام بأعجوبة ، فيما أصيب عدد من شوده ، وعدد من الحاضرين ، وكانت ردة فعل الفرنسيين عنيفة : بدأوا ملية التحري ، والبحث عن المشاركين فيها . وأثناء تتبعي لعمل التنظيمات ، وتأكدي من مدى انضباط كل اق الذي أجريناه مع حمان الفطواكي يتضم موعة بلغني أن التنظيم ، في مراكش ، معرض لخطر داهم ، اذ كان الاتفاق الذي اجريناه مع حمان الفطواكي يتضمن احترامه لعدد من السلوكات ، منها : عدم قيامه بجمع الأموال ، أو بدعاية فاضحة ، والحرص على عدم قبول انتماء أي عنصر للتنظيم حتى يحصل الاتفاق حوله . هذه ترتيبات لم يلتزم بها حمان الفطواكي ، بحيث من المقرر الا ينتمي إلى التنظيم إلا من وقع إجماعنا عليه ، مع حرصنا على ألا يكون عنصرا بارزا في العمل السياسي . لم يلتزم حمان بهذا ، فتوجه إلى مولاي الشافعي ، الذي كان يعيش في ” أولاد بن السبع ” ، وكان عنصرا بارزا في الحركة الوطنية ، كانت لديه مواقف وطنية اضطرت فرنسا إلى أن تطرده وزوجته الفرنسية رشيدة من قبيلته لتنفيه إلى مراكش . كان مولاي الشافعي جنديا مميزا في الجيش الفرنسي برتبة ” أدجودان ” ؛ حظي بوسام من الجنرال دكول ، لذلك منحوه رتبة مهمة في الجيش . ولما نفوه إلى مراكش ، وفرضوا عليه الرقابة ، كان ملزما بأن يتقدم يوميا إلى مخفر الورزازي ” ، تحت مراقبة يومية مشددة . الشرطة ليسجل حضوره . ولذلك بات يقطن في جامع الفناء ، في ” فندق وكان أن اتّصل به حمان ، من دون أن يخبرنا بذلك ، وهوما أثار حفيظتنا . كان حسن صديقا لمولاي الشافعي في الجيش . حسن هذا لم نعرف كيف حصل على ست قنابل ، فاقترح عليه مولاي الشافعي أن يسلمها إليه . ولما تسلمها منه فكر حمان في أن يستعملها ، في عملية تفجير ضد خونة ، أو مقدمين . ولما بلغني أنه عازم على القيام بذلك ، وأنه يجمع الأموال زاد خوف من احتمال تسرب خبر جمعه لها إلى الإدارة الفرنسية ، فغضبت كثيرا بسبب الارتجال . واشتد غضبي منه ، إذ بلغني أنه توجه إلى الحبيب البركة ، وهو واحد من الطلبة أعرفه جيدا ، وطلب منه أن يحرر له رسائل تهديد ينوي إرسالها إلى العناصر المشبوهة ، التي تعمل لصالح الإدارة الفرنسية . هذه أعمال كنا قد اتفقنا ألا يقوم بها أي كان ، دون استشارة ، أو حدوث إجماع حولها . عندما علمت بالخبر ، قلت للإخوان ، في الدار البيضاء :
– إن التنظيم ، في مراكش ، قد بات في خطر منذ الآن .