تهريب السلاح وما ترتب عنه
كنت أدرك تماما أن لدينا خصاصا في الأسلحة ، ولذلك التجأنا إلى عناصرنا الموجودة ، في منطقة الشمال ، وبالفعل لبوا طلبنا ، وزودونا بقليل من السلاح عن طريق شخص مدرب علي اختراق الحدود ، كان يقوم بعمليات التهريب في الشمال . اتصلنا به فسلم إلينا الأسلحة في هذا الوقت بالذات بدأ التفكير في خلق نواة جيش التحرير ، في المنطقة الشمالية ، نظرا لوجود إخوان لنا لاجئين إلى تطوان . فكان أول ما فكرنا فيه هو البحث عن إمكانيات تدريبهم على استعمال السلاح ، لكن هذه الأمور تعطلت لوجود بعض المشاكل بين اللاجئين هناك ، ووفاة الزرقطوني ، الذي كان موكولا بالسهر على القيام بهذه المهمة : حث اللاجئين على التنظيم ، والالتحاق بجيش التحرير . ولذا تم تعويضه بحسن صفي الدين ، لحل مشاكل أولئك اللاجئين إلى تطوان . أنيط حسن بهذه المنطقة ، وكان يعرف الدار ، التي عليه أن يلتقي فيها ببعض العناصر الأساسية ، قصد التنسيق . مع حسن الأعرج وصالح أن يخبرانا فور وصولهما ، بينما غادرنا نحن البيت ، ولم نستأنف العمل فيه إلا حينما وصلا إلى الشمال . وبعد يومين ، أخبرانا بوصولهما . وعليه ، أدركنا أن إخواننا ، في الشمال، أحيطوا علما بحاجتنا الماسة إلى السلاح بقي صالح – القصر الكبير ، فيما توجه حسن صوب تطوان الاتصال بالعناصر التي كانت تشتغل ، على مستوى لا باس به إن كانت تضم مجموعه من المتعلمين مثل الغالي العراقي ، ومصطفى بن عثمان ، وعبد الرحمان اليوسفي ، وعبد الكبير الفاسي ، وآخرين كان عبد العزيز الماسي قد اتهم في عملية الانفجار في ” مارشي سنطرال ، ورحل بعدها إلى الشمال ، ليحصل على معدات لا بأس بها من الأسلحة ، وكان قد ألح على صالح أن يحملها ، فورا ، إلى الدار البيضاء حاول صالح أن يقنع عبد العزيز الماسي أن لا يبعث بالسلاح إلى البيضاء إلا بعد مرور خمسة عشر يوما ، حسب ما تم الاتفاق عليه مع حسن وصالح في الشمال ، وهذا من باب أخذ الحيطة والحذر ، لأننا قررنا أن نغادر الدار ، التي كان صالح هذا يعرفها ، قبل أن يرسل إلينا السلاح ، غير أن عبد العزيز الماسي اعتبر أن ذلك ادعاء يبرر ، من خلاله ، صالح امتناعه عن إرسال السلاح إلى الدار البيضاء ولذلك لم يصدقه ، بل أمره بأن يأتيه بما لديه ، فامتثل صالح لرغبة عبد العزيز الماسي ، وقرر أن يأتينا بالسلاح الذي أعده له . كانت الصناديق تحتوي على قنابل ، وعلى مسدسات ، وخراطيش . ففكر صالح في الاستعانة بأحد الأشخاص لحمل المعدات على الخيل ، تسهيلا رورهم من الحدود . كانت ليلة مقمرة سهلت على حرس الحدود أن ضبطوهما ، ففر المساعد ، وبقي صالح ، الذي ألقوا عليه القبض ، وفي حوزته ك الذخيرة . ولما عذبوه اعترف لهم بحركة التنظيم ، في الدار البيضاء ، تادهم إلى البيت الموجود ، في درب ” السبليون ” ، الذي كنا نجتمع فيه . في هذه الأثناء ، كانت لي مهمة الاتصال مع لحسن التركيني . نت أهيئ معه خطة لنقل قنبلة كبيرة من البيضاء ، قررنا أن نبحث لها طريقة آمنة لإيصالها ، إلى مراكش ، واستعمالها في عملية فدائية ، ك . وقد وقع الاختيار على ” كاي نيكوسيان ” : مقهى التجار ، لأن هذا ي كان مقرا لفئة كبيرة من المعمرين ، يرتادونه ابتداء من الرابعة الزوال : إذ يأتي أغلبهم من حي تاركة ، وكان ، في المقهى ، جوقة قية ، مما جعله يمتلىء عن آخره بالمعمرين ، في حي كليز وتطبيقا لهذه الخطة ، كان لي موعد مع التزكيني ، بل محطة القطار بدرب اليهودي ” : وهي محطة تتوقف فيها القطارات المتجهة من الدار البيضاء إلى كان مقررا أن يركب القطار من هناك . حددنا الطريقة والخطة التي سنتمكن ، من خلالها ، من نسف ” كاف نيكوسيان ” . اتصلت بالتزكيني ، في الصباح الباكر ، ورتبنا كل شيء ، ثم عدت إلى الدار ، التي كانت قريبة من هذه المحطة . ومن باب الاحتياط اطمأننت لما لم اتلق إشارة من صاحب حانوت كان مقابلا للدار ، قرعت الباب ففتح ، ودخلت فإذا بالدار مليئة برجال الشرطة ، وي داخلها كذلك مبارك ، وبومدين ، اللذين أتيا إليها قبلي ، أما الفقيه البصري فقد حضر من بعد . وبذلك ألقي علينا القبض ، تباعا . وضعت يدي في جيبي لأسحب السم ، وأبتلعه ، لكن أحد رجال الأمن فطن إلى ذلك ، فأخذ مني السم . وضعوا ضمادا على عيني وفمي ، وربطوا يدي ورجلي بحبل . ألقوا علينا القبض : عبد ربه ، والحسين الصغير ، وبومدين ، ومبارك الورداني ، والفقيه البصري ، وأخذونا إلى مخفر الشرطة بالأمن المركزي ، في الدار البيضاء . مساهمة مغاربة المهجرة التزويد بالسلاح كان بومدين هذا ، الذي ألقي عليه القبض ضمن مجموعتنا ، من بين عمالنا المهاجرين بفرنسا ، الذين تجندوا لجمع المساعدات ، والحصول على بعض الأسلحة ، وتقديمها إلى المقاومين عن طريق الدكتور لحلو ، الذي تعرفت إليه في مراكش- المعروف بكونه وطنيا ورجل ثقة- . كان يعمل ، في الظل ، ولم تكن الأضواء مسلطة عليه ، لأنه لم يشارك في أي عمل من شأنه أن يلفت الانتباه إليه ، ولذا كنت أتصل به لأتسلم منه مساعدات قبل أن أسلمها لإخواننا في التنظيم . في هذا الوقت كان أربعة من العمال المهاجرين ، في فرنسا : هم بومدين ، بناصر ، اعبيد الصحراوي ، وبوردو قد اقترحوا المجيء إلى المغرب ، للمساهمة في أعمال نضالية ، لأنهم رأوا أن المساعدات المادية مسألة غير كافية ، وفعلا حل بالمغرب بومدين ، واعبيد الصحراوي ، ومحماد وبوردو ، مثلما حل قبلهم عبد العزيز الماسي ، ومولاي العربي الشتوكي وأحمد شنطر … كان بومدين قد حصل على سلاح رشاش ، بطريقة نجهلها ، وضعه في حقيبة ، وتمكن من إدخاله ، بسهولة إلى المغرب ، رغم رقابة الجمارك . كان ذلك السلاح أول ” رشاش ” توصلنا به بوساطة من هذا المهاجر والواقع أن الذين زعموا ، عبر تصريحات هنا وهناك ، أنهم كانوا يزودوننا بقطع من الأسلحة من هذا النوع : ” بندقية ، أو رشاش ” كانوا يغالون – ادعائهم ، حتى لا نقول بأنهم كانوا يكذبون ، كان اعبيد هذا من بين العناصر ، التي تورطت مع مجموعة أكادير ، – عملية بنحيون ويحلو لنا أن نناديه ” هناتيان ” ؛ إذ كلما أراد أن يقول : هنا في هذا المكان ، يقول : ” هنا تيان ” . أما بومدين فكان عنصرا حيويا ، يشتغل بإخلاص ووطنية عالية ، اشتهر بيننا بكونه صاحب أول رشاش . أما المهاجر الثاني ، وهو بناصر ، فقد تعرض للاعتقال رفقة الفقيه البصري ، بعد الاستقلال ، ولا يزال على قيد الحياة ، لكن حالته الصحية متدهورة .
المقاومة في « ضيافة إدارة الأمن »
لما ألقوا علينا القبض أحالونا إلى مخفر الشرطة ، فإدارة الأمن ، وهناك أذاقونا صنوف التعذيب : من جلد ، صعق بالكهرباء ، وغطس لرؤوسنا في ماء عكر يتبولون فيه ، كما كانوا يتبولون علينا ، ومن المؤسف أن بعض المغاربة شاركوهم في تعذيبنا . كنا نفضل الصعقات الكهربائية ، على أن تغطس رؤوسنا في الماء العكر ، لأن ذلك كان يعرضنا للاختناق ، فنحس أن أرواحنا تكاد أن تزهق من شدة انقطاع الهواء النقي عنا . أما الصعقات الكهربائية ، فهي وإن كانت تحسنا بتمزق في أوصالنا ، وأعضائنا ، فإنها لم تكن تُعرضنا للاختناق ، الذي كان أشد عذابا ووقعا .
لم يستطع الفقيه البصري أن يتحمل ما مورس علينا من تعذيب ، عن التنظيم هو عبد ربه ، وهو ما دفعهم إلى أن يتفننوا ويضاعفوا في أثناء عملية الاستنطاق ، فما كان منه إلا أن أخبرهم أن المسؤول ، الأول ، أحدا ، وأن ما يقال ، في حقي ، كذب ف كذب ، وأن التهم ، التي سردوها علي ، تعذيبي ، برغم ذلك ما توانيت ، لحظة ، في أن أصرح ، وأصرخ بأنني لا أعرف والصقوها بي واهية ، ولا أساس لها من الصحة . في هذا الوقت بالذات ، اتضح لي أن معنويات الفقيه البصري قد انهارت بشكل مريع ، وأوشك أن يصرح بما هو أخطر مما صرح به ، لأنني أعرف أنه كان يتوفر على معلومات ذات أهمية بالغة ، وأنه إذا ما صرح بها فستكون كارثة ، بكل المقاييس على تنظيم المقاومة في المغرب . وبما أن عناصر الشرطة يركزون ، في استنطاقهم ، على قضية السلاح ، وعلى المكلفين بتدبير أموره ، وكذا على أمكنة تخزينه ، فإن احتمال أن يذكر الفقيه البصري شيئا عن ذلك قد زاد من قلقي . لأنهم إذا ما عرفوا كل هذه التفاصيل فستكون كارثة عظمى . وعليه ، خطر ببالي ، كي أجنّب الضغط على محمد البصري ، وهو يواجهني بمعنويات منهارة أمام رجال الشرطة ، أن أعترف أنني أعرف مكان تخزين الأسلحة ، والعنصر المكلف به ، فبلغتهم باسم المدعو ” لغنيمي ” . ” . ذلك لأنني كنت أعرف أن ما كان متداولا بيننا : هو عندما يعتقل أحد عناصر المجموعة فيجب على كل العناصر ، التي لها علاقة به ، أن تختفي عن الأنظار . غير أن الأخ لغنيمي تهاون في ما كنا قد اتفقنا عليه من قبل ، ولم يختفي حين اعتقلنا ، كما كان مقررا أن يفعل ، ولذلك ألقوا عليه القبض ، ي محل سكناه . وهذا ما حدث مع جماعة أخرى كانت تنشط في درب السلطان ، كان يرأسها الهبطي . اعترفت بها ، ظانا أن الهبطي سيختفي ، هو الآخر ، حالما يعرف أنني معتقل ، ولذا ألقي عليه القبض عندما توجهوا إلى بيته . كان استنطاق عناصر مجموعتنا يدوم من الثامنة صباحا إلى الواحدة زوالا ، ومن الثالثة بعد الظهر إلى ساعات متأخرة من الليل ، وكذلك كان بالنسبة إلى الجماعة ، التي تورطت معنا بسبب اعترافنا بها . وكان الفقيه من بين نشطائها ، ولم يكن هو من أسسها ، ملتزما بالتنسيق معنا ، من بين عناصر هذه المجموعة أذكر عنصرين هما عبد الرحمان الصحراوي ، وعمر الفرشي ، الذين لم يصارحاني بانضمامهما إلى تنظيم السي اعمر الفيلسوف ، مثلما لم أصارحهما باشتغالي ضمن تنظيم محكم ي مراكش . ولكن مع مرور الأيام بدأت الألفة والثقة تسريان بيننا فوجدت نفسي أرتبط بالجماعة ذاتها التي يرتبط بها أعمر ، وهي الجماعة التي كان الفقيه البصري وسيطا ، فقط ، بيني والزرقطوني وبينها . كنت قد دربتهما على استعمال بعض الأسلحة : ( مسدسات وقنابل ) ، في حديقة ” لارميطاج ” ، كان الصحراوي نشيطا يقوم ببعض العمليات الفدائية بتنسيق مع عمر الفرشي . لما قرر رجال الشرطة اعتقال هذين المناضلين اعتقلوا الصحراوي ، غير أنه تمكن من الفرار . أذكر أنه ، أثناء استنطاقي وتعذيبي ، قررت أن أتظاهر بأنني أبله ، وأنني لا أعرف أحدا ، ولذا كنت أتعمد أن أجيب عن أسئلتهم بأجوبة غريبة ، وقد أعطت هذه الخطة أكلها ، مرحليا ، فخف عني التعذيب ، ولم يعد رجال الشرطة يعيرونني أهمية بالغة ، لأنني في نظرهم وديع أبله ، ولا يمكن أن أكون مسؤولا عن أي تنظيم ، بدا كما لو أنهم انطلت عليهم الحيلة ، لكن عاملا آخر برز ، لم يكن في صالحي ، تمثل في اعتراف صالح بمسؤوليته عن جلب السلاح من الشمال ، وتسليمه إياه إلى مجموعة الدار البيضاء ، المسؤولة عن تنظيم المقاومة ، في كل ربوع المغرب . وكان أن اهتدوا إلى فكرة أخذ صور لنا ، وعرضها على الشرطة ، 4 عدة جهات من المغرب ، ومن ضمنها مراكش ، فتبين لديهم ، من خلال عرض تلك الصور ، أن هناك عنصر أساس ، وخطير في حركتنا يدعي ” عمر ” ، وهو الاسم المستعار الذي كنت أشتغل به ، آنئذ . في هذا الوقت بالذات كانت مجموعة الفطواكي ، في سجن ” بولمهارز ” بمراكش ، فاستنطقت عناصر الشرطة ” الحسين البزيوي ” ، الذي ضعف وجبن ، أثناء الاستنطاق ، برغم أنه سجين ، والقانون يمنع استنطاق السجناء ، لما عرضوا عليه صورتي أخبرهم أن صاحبها يأتي من الدار البيضاء ، فاستأنفوا استنطاقي ، من جديد . ولكنني أنكرت ذلك ، وطلبت منهم مقابلة من يتهمني ، في سجن الفطواكي قال لهم هذا الأخير:
هذا ” البرهوش هو من سأعمل أنا تحت امرته ؟. وأنا لي تجربة محترمة ، 2 الجيش ، وهو لا يفقه في هذه الأمور شيئا ، هذا ليس صحيحا . إلى الدار البيضاء ، وأخذوا صورتي إلى أكادير ، ثم عرضوها على المدعو وبدا وكان الفطواكي قد أغلق كل الأبواب ، في وجوههم ، فأعادوني إبراهيم ، وهو يشبه البزيوي ، 2 هشاشة شخصيته ، وجبنه أمام المواقف الصعبة وفيما أنكر الآخرون ، وأعني بهم -بقية عناصر جماعة أكادير اعترف إبراهيم لمرابط أنه يعرفني ، فما كان مني إلا أن أخبرتهم أنه لم يسبق لي أن زرت أكادير . بل أكدت لهم أنني ذهبت ، فقط ، إلى الصويرة وأنا طفل . ولما أنكرت كل ما نسب إلي ، أثناء مواجهتي مع إبراهيم ، تعرضت إلى تعذيب شنيع ، وكان من بين المستنطقين فرنسي يتقن الحديث بالعربية والأمازيغية ، وكان رجلا شريرا . أخذوني إلى أكادير لمواجهة جماعتها ، فأنكر كل أفرادها معرفتهم بي ، منهم إبراهيم الشيفور ، ومومو ، والسفياني ، وأكدوا لهم أن لا علاقة لهم بي ، فلم يثنهم ذلك عن مواصلتهم تعذيبي . ومن أصناف التعذيب التي مورست علي بقيادة الشرطي ” كران جا ” ، أن أدخلني إلى مرآب ، وربط يدي ، ووصلهما بقناة ، وأمرني أن أصعد فوق كرسي ، ولما صعدت ، دفع الكرسي فبقيت معلقا ، ويداي تؤلماني . أحسست بألم شديد ، خصوصا وأنه أبقاني كذلك لساعات . قرروا إعادتي إلى أمن الدار البيضاء ، الذي تعرض رجاله إلى انتقادات شديدة اللهجة من لدن مسؤوليهم ، لأنهم كانوا دون المستوى ، وأنهم قصروا في القيام بواجبهم إذ لم يكتشفوا سري ، فبقيت في مخفر الشرطة أربعين يوما ، وأنا مورط في ملفات الدار البيضاء ، ومراكش ، وأكادير . أخذوني بعدها إلى السجن .