كان الحارس الداخلي مكلفا بمراقبة الغرفة : يترصد كل المستجدات شجار ، مرض أحد السجناء ليستدعي حضور الطبيب ، وغير ذلك كثير … انشغل تفكيري بتدبر طريقة للوصول إلى الحجرة الخاصة بأدوات البناء والنظافة لأحصل منها على ما سأحتاجه لتنفيذ عملية الهروب . وكان تركيزي منصبا على الحصول على مخطاف ، وحبل . أما كيفية استعمالهما ، فهي عملية كنت أتقن القيام بها ، في شبابي . ثم فكرت في الكيفية التي سأغادر ، من خلالها الغرفة ، لأتمكن من الحصول على هذه الأدوات واستعمالها ، وعلى التوقيت المناسب لتنفيذ هذه العملية . ترصدت الحارس ما بين السورين ، لأهيئ نفسي للصعود إلى أحدهما ؛ ولكنني اكتشفت حجرة كانت تستعمل مصحة ، وبما أنني كنت أستطيع أن أفتح بعض الأقفال بمسمار ، فقط ، فكرت في فتح باب المصحة لأقضي فيها قسطا من الليل ، ومنها أخرج إلى الساحة ، التي توجد بها الغرفة المعدة لتخزين مواد البناء . ومن الساحة يمكنني أن أصعد إلى السور الأول ، ثم إلى السور الثاني ، بالاستعانة بالمخطاف ، والحبل . مرور استغرق تفكيري ، وتهييئ عملية الهروب حوالي أسبوعين ، إلى أن أصبح الأمر لا يحتاج إلا إلى التنفيذ . لكن أمر التنفيذ سرعان ما سيعرف تعقيدا ، ذلك أنني كنت في مرحلة الإعداد للفرار من سجن بولمهارز بمراكش ، وفي الوقت ذاته ، كان إخواني في القنيطرة قد استعجلوا عملية الفرار ، لكنهم لم يضبطوا وقت مجيء الحارس الرئيس ، المكلف بفتح الأبواب على الساعة الثالثة صباحا ؛ فكان تأخره سببا في تفويت فرصة فرارهم في الوقت المناسب . كما أن الطنجاوي لم يكن يثق فيهم ، ولذلك رفض أن يصطحبهم . فر خمسة وعشرون شخصا ، وألقي القبض على ثمانية منهم ، وقتل بعضهم ، واعتقل الآخرون ؛ منهم واحد من مدينة الرباط هو عبروق ، كان طالبا بمدارس محمد الخامس ، وكنت قد اتصلت به ، أثناء زيارتي السابقة للرباط ، فعرفني إلى الشاب عبد الفتاح سباطة : كان هذا الأخير قد عرض على المجلس الأعلى للقضاء ، بدل المحكمة العسكرية ، والسبب أنه كان شابا لم يتعد سنه السادسة عشرة . كنا قد اتفقنا معهما على أساس أن نفتح غرفهم حالما تيسر العملية ليفروا معنا . والحصيلة ، أنه بمجرد ما اعتقل عبروق ، وعناصر أخرى معه اعترفوا بكل شيء ، وهو ما دفع المختار الطنجاوي الى ان ينتحر في زنزانته، لأنه لم يطق أن يتورط مع إدارة السجن في خيانته الثقة التي كانت تضعها فيه، كما اعتبروا ان المنظم الأول والرأس المدبر لعملية الفرار هو عبد السلام الجبلي ، وهو الاعتراف الذي ادى الى تشديد الحراسة علي في ااسجن ، بحيث قررن الادارة الاستعانة بعناصر من الجيش لحراسة هذا السجن ، الذي كان يضم مجموعة حمان الفطواكي .
عزمت على أن أفتح غرف السجناء الأوربيين ليفروا ، أثناء تنفيذي، العملية من سجن بالنهار. فماةالذي وقع بالضبط ؟
تسللت إلى المصحة بعد أن طلبت ، من المكلفين بالمناداة على السجناء بأسمائهم ، أن يتستروا على غيابي . وتتبعت ، من تحت السرير ، مراحل المناداة ، فتبين لي أنهم لم يغلقوا الغرفة بعد ، بل أعادوا عملية العد إلى أن أعلنوا عن غياب سجين . ظننت أن أمري قد انكشف . أعادوا العد للمرة الثالثة ، فأعلنوا أن الكل حاضر ، ولا أعرف كيف تمت عملية العد ما أعرفه هو أن الأبواب أغلقت بعد ذلك . ذهب عني الفزع ، وشعرت باطمئنان ودعة . وعرفت أنه لم يبق سوى حارسين : حارس السور الداخلي ، وحارس السور الخارجي . كان الحارس الأول قد تأخر عن الالتحاق بموقعه ، ولم أعرف سبب ذلك . الصحيح ؛ ولما لم يتأت لي فتح غرف السجناء الآخرين ، فكرت في الهروب لوحدي . كانت الغرفة المحتوية ، في وسط الساحة ، على الأدوات التي كنت أحتاج إليها ( المخطاف والحبال ) ، تتوفر على نافذة مغلقة من الداخل ، إلا أنها تكون عادة مفتوحة خلال النهار . كنت قد تركتها مفتوحة ، عمدا ، من الداخل حتى يسهل على الدخول منها ، ليلا . وقد تأتى لي ذلك ؛ ففتحت باب الغرفة ، بصعوبة ، وأخذت المخطاف ، والجبل ، وتسلقت السور الأول الداخلي ، ثم تسلقت السور الثاني البالغ علوه ستة أمتار . كنت حاي القدمين ، وحذائي معلق إلى صدري ، مدثرا بملابسي حتى لا أحدث صوتا ، أو خشخشة ، عندما اقتربت من آخر موضع قمة السور الثاني انزلق بي الحبل فسقطت ، عاودت الكرة حتى إذا بلغت أعلى السور الخارجي ، سمعت أحدا يناديني بلهجة صارمة : – انزل، حسبته أحد حراس السجن ، لكنه كان من حراس الجيش ، الذين كانوا يناوبون بالليل . فخطر ببالي أنه مسلح ، وإذا حاولت الهروب، فسيصوب سلاحه نحوي وجهه إذا ما حاول تصویب سلاحه نحوي ، فكرت 4 خلع زرد كنت ألبسه لألقي به في وجهه اذا ما حاول تصويب سلاحه تحويل بقيت فوق السور، لحظات أحاول أن أسترجع فيها أنفاسي ، فقال لي ، برفق : – أنا لست وحدي . قلت له :
أنا لست مجرما . أنا وطني أدافع عن بلدي ليحصل على استقلاله . ولما بدأت أستعطفه بدا وكأنه رق لحالي ، فما كان من المسكين إلا أن أخبرني أنه مصاحب بحراس آخرين . قلت في نفسي : – ربما كان هذا الرجل خائفا . قررت أن أنزل . وما إن اقتربت من الأرض حتى سمعت قرقعة أزندة الأسلحة تستعد لإطلاق النار ، فرفعت يدي عاليا ، فألقوا على القبض ، وأدخلوني من الباب الرئيس إلى السجن . حضر المدير ، ذو الأصل الكورسيكي والميول الشيوعية الفرنسية ، وعدد كثير من الحراس . عينوا السجين عباس للقيام بعملية الترجمة : عباس هذا أصله من الصحراء ، في بوجدور ، تعرفت إليه عندما كنت في كلميم ، وسبق لي أن أطلعته على جيش التحرير . كان سجينا في أكادير ، متورطا في عمل مسلح ، بعد أن ألقي عليه القبض لاعتراف أحد الموقوفين بتورطه . بدا المدير متلهفا إلى معرفة الكيفية التي مكنتني من محاولة الفرار من السجن ، فوضع سؤاله المحير : – كيف فعلت ذلك ؟. أجبته : حراسك . – ذلك من ضمن حقوقي . اسأل نفسك أنت عن الخطا ، الذي ارتكبه ولما أبدى رغبة جامحة لمعرفة تفاصيل تدبيري للمحاولة قلت له :
– لن أجيب إلا بشروط : الا تضعني – الزنزانة المنفردة ، مرة أخرى أكد لي أمام الحراس أنه موافق على أن لا يودعني غرفة ، معزولة لا من ذلك ، بالجناح الأوربي : ولما سألت عن كتبي قال لي : – بإمكانك أن تحتفظ بها . وبمجرد ما سردت التفاصيل بين يديه أعطاهم تعليمات صارمة بإدخالي إلى الزنزانة المنفردة ، وأن تطبق في حقي العقوبات الجاري بها العمل الفراش ، ومن الكتب ، لم أستسيغ هذا التصرف المشين من لدنه ، خصوصا وأن نکث مدير السجن ما وعدني به ، وزاد على ذلك بأن حرمني من استنطاقه لي دام حتى مطلع الفجر . دخلت إلى الزنزانة المعزولة ، ولما قدموا لي الفطور رميته في وجه الحارس ، فأغلق الباب ، وهرع ليخبر المسؤول حضر المسؤول سألني عن الدافع ، فقلت له : بتصرية ، فيما بدأت أصرخ ، وأضرب الباب بقوة ، احتجاجا ، على ما وقع ، لما – أريد مقابلة المدير ، فهو وحده يعلم لماذا أتصرف على هذا النحو . لما حضر اطلع على التقرير ، الذي صرحت فيه عن الكيفية التي دبرت بها فراري ، ولما لاحظ كيف ركزت على تقصيره في تشديد الحراسة تراجع عن موقفه مني ، وأخذني إلى المكتب ، ونادى على المترجم عباس ، فبدأت أفاوضه ، مرة ثانية , اعتذر لي عن تراجعه عما كان قد التزم به نحوي ، ووعدني أنه سيفي بالتزاماته ، وبعد انتهاء التحقيق الثاني قرر أن يأخذني إلى غرفة العقاب ، لكنني امتنعت ، ووقفت في وسط ساحة السجن ، وصرخت في وجهه : – لن أدخل إلى هذه الزنزانة إلا إذا حضر أفراد الجيش ليرغموني على الدخول إليها ، وليس حراسك . اشتد غضبي ، وبدأت أصرخ بأعلى صوتي ، لما سمع السجناء صراخي ، بدأوا يضربون الأبواب بقوة ، ويصرخون لأنهم كانوا ممتعضين من تشديد الحراسة عليهم بعد أن ضبطت . فاضطر إلى الاتصال بأمن مراكش .