إشكالية إعادة هيكلة الحزب والتنظيم النقابي كنت أهتم أكثر بالجانب التنظيمي في النقابة ، وفي الحزب ، وي إلا بعد الإعلان عن الاستقلال . وأمام الفوضى التنظيمية ، التي واجهتناء جيش التحرير ، الذي كان ما يزال موجودا ، في هذه الفترة . فلم يتم حله قد أدى دوره ، ولم يعد صالحا لمرحلة ما بعد الاستقلال . أصبحت المرحلة فكرنا في إعادة تنظيم جديد للحزب ، لأننا كنا واعين بأن التنظيم القديم تتطلب حزبا مبنيا على ديمقراطية مؤسسة على انتخابات نزيهة ، وعلى برامج واضحة ، ولم يعد مقبولا أن يستمر الحزب على منواله القديم ، الكبار لإبراز قدراتهم ، وتفكيرهم الملائم للمرحلة الجديدة ، خصوصا وأنه بتفكيره العتيق ، كان لا بد للملتحقين الشباب من الاصطدام بالقادة كانت هناك عناصر تدرك صعوبة المرحلة ، وضرورة الإقبال على التغيير كان واضحاً أن الغموض سيسقطنا في براثن مستقبل ضبابي ، مظلم . ولذا أدركنا أنه لا بد من إشراك واسع للمواطنين في بناء بلدهم المستقل . بدأنا نهيئ للمؤتمرات الإقليمية ، تمهيدا للمؤتمر الوطني العام للحزب ، واتفقنا مع بعض العناصر الوازنة ، التي كانت واعية بجسامة المسؤولية ، ألا تشارك في جهاز الحكومة : مثل عبد الله إبراهيم ، الذي طلبنا منه التفرغ لإعادة بناء حزب الاستقلال . عبد الله لكن بمجرد أن بدأت الحكومة تتشكل استجدى عناصرها . إبراهيم المشاركة ، بطلب ملح من الحاج عمر بن عبد الجليل ، نظرا لكونه رجل حوار هادئ ، يدعو إلى الوحدة ، وينبذ التفرقة ، ويستعمل الطرق الوجدانية والعاطفية للتأثير على مخاطبيه . بدأ بن عبد الجليل يستعطف عبد الله إبراهيم ، ويدعو له بالنجاح ، ثم نبهه إلى أن الفرنسيين يمكن أن يقطعوا مساعداتهم على المغرب ، ولذا يجب عليه أن يقف في وجه كل طامع ، اقتنع عبد الله بالانخراط في الحكومة ، كاتب الدولة في الأنباء وعلمنا ذلك ، من خلال بلاغ على أثير الإذاعة . وبمجرد ما تلقينا الخبر رحلت ، بمعية عبد النبي بلعادل ، إلى الدار البيضاء للقاء عبد الله إبراهيم حيث كان يسكن ، لأن الدار البيضاء كانت القلب النابض للنقابة والحزب ، والاقتصاد .
استفسرناه عما دفعه إلى الانخراط ، فبدأ يحكي لنا عن الحوار الذي كان قد أجراه مع الحاج عمر بن عبد الجليل ، وكيف استعطفه هذا الأخير ، بل بكى حتى يبين له أننا يجب علينا أن نبقى ملتحمين ، وحتى لا يظن خصومنا أننا انقسمنا على أنفسينا . لكن لماذا حدث كل هذا ؟. الأمر بسيط جدا : من كان يجرؤ على انتقاد الحزب ، فإنه يعتبر خائنا ، ومشوشا ، والنقد ، من وجهة نظر بعض الأطر التقليدية ، غير مقبول داخل الحزب ، إذ كان القادة على صواب ، في كل الحالات ، وإن أخطاوا مبررات . ابراهيم مشاركته ، في الحكومة ، برغم الله عبد إدراكنا أنه من جملة ما استند إليه هو الغموض ، الذي شاب جانبا كبيرا من المفاوضات الجارية بين فرنسا ومحمد الخامس وبعض القادة السياسيين ، وطغيان المصالح الشخصية عليها إلى درجة اتهم فيها المتفاوضون في مؤتمر ” إكس ليبان ” . تبين لنا أن قبول عبد الله ابراهيم الانخراط في الحكومة كان بقصد الاطلاع على الجانب الغامض ، في تلك المفاوضات ، كيفما كان الحال لم نقتنع بهذه التبريرات ، ولا بمشاركته ي الحكومة ، ولذلك توقفت إمكانية إعادة بناء الحزب . التجأنا إلى تصفية مشكل المقاومة ، ومعضلة العائلات المنكوبة ، وقضية السلاح المنتشر بين الجماعات . حاولنا أن نتصدى ، حسب قدراتنا ، لكل المشاكل ، التي كانت مطروحة أمامنا . وكان أن تشكلت الحكومة من حزب الاستقلال ، الذي كان يشكل الأغلبية ، ومن حزب الشورى والاستقلال ، ومن عناصر تمثل مختلف يكن ليبشر بخير . الأقاليم ، وعليه ، بدأت بوادر خلق النّعرات الجهوية وتأجيجها ، وهو ما لم من ثمة لاحظنا ، بكل أسف في المجلس الوطني للمقاومة المغربية في غشت 1956 بعد تحليل تلك الحالة السياسية ، أن الأهداف السياسية التي انبعثت من أجلها حركة المقاومة لم تتحقق بعد ؛ وأن والنزاهة التي برهن عنها الشعب خلال سنوات الكفاح المرير قد أضعفتها نشوة الانتصارات الأولى ؛ وأن الشعلة الثورية التي وحدت الشعب ودفعت به نحو تحقيق أمانيه أصبحت تضعف وتتقلص ، تاركة مكانها للتفرقة القوات الاستعمارية ، أصبحت مهددة بسبب مناورات الرجعيين والإقطاعيين والمغرضين ، وأن بعض المناطق من التراب الوطني مازالت تحت الاحتلال والضلال ، وأن وحدة الشعب المغربي ، التي كانت العامل الفاصل في قهر الأجنبي ؛ وأن متابعة الحرب الاستعمارية ضد الشعب الجزائري الشقيق تكون تهديدا مستمرا ضد استقلالنا الوطني ، وأن وجود جيوش أجنبية فوق بل ما زال موجودا ، وفاعلا إن بصفة مباشرة أو غير مباشرة ؛ وأن بعض ترابنا يتنافى مع الممارسة الحرة لسيادتنا ؛ وأن الاستعمار لم يستسلم بعد ، الوسائل الإقطاعية ما زالت مستمرة في إدارة البلاد ، وأن وجود الإقطاعيين على رأسها يكون عرقلة في سبيل تحرير الشعب ، وخطرا على المصلحة الوطنية العليا ، وأن نظاما مبنيا على أساس اللامسؤولية وطغيان السلطة واستغلال النفوذ وتشجيع التملق ليس بقادر على تسيير الشؤون العامة بكيفية مرضية ، فما بالك بتحقيق المتمنيات الوطنية . لأجل ذلك ، فإن المجلس الوطني للمقاومة استنكر الوضع الراهن آنئذ ، الذي تسير عليه البلاد ، ووجه نداء حارا إلى الشعب المغربي كي يحقق وحدته المقدسة حول الأهداف الآتية : الميدان الدستوري : أ- نظام ملكي دستوري يتلاءم مع مبادئ الإسلام الصحيح . ب – احترام حقوق الإنسان ، كما حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . الميدان الإداري : أ – تطهير الإدارة من الإقطاعيين والخونة . القضاء على المحسوبية والامتيازات في علاقات السلطة بالمواطنين ، وتحقيق المساواة الكاملة بين المغاربة بدون أي تمييز . ج – مغربة الإدارة وتعريبها . د – تحويل الجهاز الإداري الحالي – لما يتصف به من جمود وعرقلة ، ولما يكلف ميزانية الدولة من مصاريف باهظة – إلى إدارة مرنة ناجعة قادرة على أن تنفذ بإخلاص وحماس سياسة نهوض اقتصادي وتقدم اجتماعي .
الميدان السياسي : 1 – 4 الداخل : 1 – استكمال وحدة التراب وإرجاع الاراضي المغصوبة إلى الوطن الأم ب – جلاء الجيوش الأجنبية ، التي يتنافى وجودها مع الاستقلال . ج – تحديد سياسة للدولة فيما يتعلق بالجيش الوطني بحيث يصبح هذا الجيش أداة ناجعة للدفاع عن البلاد ، ومستودعا أمينا للروح الوطنية ومدرسة للتهذيب والتربية الصالحة في الأمة ، وذلك تحت قيادة ضباط د – وضع حد لتآمر عناصر الشر التي ألحقت ضررا بالأمة والتي ما يزال وضعها السياسي والاجتماعي ي عهد الاستقلال يجعلها مصدر خطر على المصلحة العليا للوطن ، وعرقلة في سبيل تحرير الشعب . مخلصين ومقتدرين . 2 – في الخارج : أ – تخطيط سياسة تساند ميثاق الأمم المتحدة . ب- تأسيس علاقات مع جميع الدول على أساس تعاون وثيق لتثبيت دعائم السلام والرفاهية والإنسانية وتقدمها المادي والمعنوي . ج – مناصرة الشعوب التي تكافح في سبيل حريتها وسيادتها الوطنية وعلى رأسها الشعب الجزائري الشقيق ، الذي يجب تأييده في جهاده المستميت ضد العدوان الاستعماري ، وتقديم كل مساعدة له من شأنها أن تعجل بتحريره ، ووضع حد للحرب الجائرة على ترابه الآن . د – السعي وراء سياسة ترمي إلى توحيد شمال أفريقيا ، وإلى التعاون بصفة عامة ، طبقا لروح مؤتمر باندونغ ، مع الدول العربية والإسلامية بصفة خاصة ، والأفريقية والآسيوية هـ – اجتناب استعمال العنف كوسيلة لحل المشاكل بين الشعوب . و – رفض مشاركة المغرب في أي مؤامرة دولية ، وعدم إدخاله في مواثيق سرية عدوانية .
الميدان القضائي : أ – إصلاح النظام القضائي وتوحيده . فيهم شروط الكفاءة والنزاهة . ب – تطهير جهازه من الخونة والانتفاعيين ، ومن الذين لا تتوفر الميدان الاقتصادي والمالي : ج – إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الخونة والمتآمرين على سلامة الدولة – والتضحيات الضرورية . أ – تدشين سياسة وطنية دائمة مبنية على تجهيز اقتصادي سرين لرفع مستوى الجماهير ، وذلك بالمساواة بين المواطنين في الجهود ب- تدشين سياسة التقشف بمراجعة نظام الإيراد والإصدار ، وتحديد علاقات اقتصادية ومالية وجبائية مع الدول الأجنبية تتفق وسياسة التقشف . تستهلك ما أنتجته يدها . ج – استثمار جميع الإمكانيات الوطنية لجعل الجماهير المغربية د – تأميم جميع المؤسسات التي تكتسي صبغة حيوية بالنسبة إلى مجموع الشعب ، ومراجعة نظام المؤسسات المؤممة حاليا بحيث تصبح 4 خدمة الشعب حقيقة . هـ – تشجيع المؤسسات الصغيرة وحماية الصناعة المتوسطة مع إجبارها على استثمار قسط من أرباحها داخل البلاد . و – مراجعة الأسس ، التي يقوم عليها نظام الضرائب الآن ، بحيث يتحمل كل واحد قسطه العادل في مجهود البناء ز – إصلاح النظام الفلاحي على الأسس الآتية : 1- توزيع أراضي الإقطاعيين والملاكين الكبار على الفلاحين المتشردين والمحتاجين ، وإرجاع الأراضي المغصوبة إلى أصحابها . – استثمارها على أساس تعاوني عصري .
ويستجيب لضرورة تنمية الإنتاج وتحسينه . 3- تصنيع الفلاحة وفقا لتصميم عام يستغل جميع الإمكانيات 4- تنظيم الأراضي الجماعية والمخزنية في شكل نظام تعاوني إجباري ، وتزويدها بالآلات والمربين اللازمين . ولأجل تحقيق هذه الأهداف رأى المجلس الوطني من الواجب تأسيس حكومة وطنية قادرة على تنفيذها . واشترط أن تكون منسجمة ومتضامنة ومسؤولة عن أعمالها ، وأن يكون لها برنامج محكم معروف يتخذ صورة مخطط بعيد المدى يستطيع بها إلى مصاف الأمم الراقية أن يعبئ الحماس الشعبي ، ويستغل جميع القوات الحية في البلاد للنهوض كنا منشغلين بحل هذه المشاكل العويصة : مشكل الصحافة ، وكيفية اختيار المشتغلين فيها ؛ وبالفعل تم إنشاء صحيفة هدفها أن تعبر عن هموم الطبقة العاملة هي صحيفة ” الطليعة ” ، أما الجريدة الرسمية للحزب فهي ” العلم ” ؛ وكانت إذاك موجودة بإدارتها الكاملة ، وماضية في كانت كثيرة ، ومتعددة . طريقها . كانت هذه الوضعية المعقدة تضغط علينا ، لأن مشاكل المغرب وضعت على عاتق المغرب قضية تكوين جيش نظامي ، فكان الاتفاق مع فرنسا أن تسلم إلى المغرب بعض الفرق العسكرية المشكلة من مغاربة كانوا يعملون تحت أوامرها . وبدأ التفكير في حل جيش التحرير ، ويضم عناصره إلى الجيش الملكي ، فاقترحوا على الدكتور عبد الكريم الخطيب ، الذي كان يرأس جيش التحرير ، أن يلتحق هذا الجيش بالجيش الملكي . انضم عدد من العناصر ، ورفض بعضهم الانضمام .