في إطار برنامج تتبع وتقييم السياسات العمومية والترابية، نظم مركز “أفروميد” بشراكة مع فعاليات أكاديمية وجامعية ندوة وطنية حول “أي تقييم لتمثيلية النساء والشباب على ضوء انتخابات 8 شتنبر 2021”، يوم الخميس 21 أكتوبر 2021 بمدينة مراكش. وهو اللقاء الذي تخللته ثلاث جلسات علمية شاركت فيها فعاليات أكاديمية ومدنية وبروفيلات سياسية من فئة الشباب والنساء.
استهدف اللقاء تقاسم وجهات النظر والتجارب من خلال تسليط الضوء على خلاصات الانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية التي عرفتها المملكة بتاريخ 8 شتنبر 2021، خاصة أن النصوص القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية، قد عرفت مجموعة من التعديلات قُبيل الانتخابات، لاسيما على مستوى القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية. وهي التعديلات التي تروم دعم تمثيلية النساء للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية والاستجابة لتطلعات الشباب والنساء للوصول لمركز القرار. فهل استطاعت العملية الانتخابية الأخيرة الاستجابة لذلك؟ وما هي فرص ومخاطر مستقبل هذه الفئات فيما بعد الاستحقاقات؟
على الرغم من تزامن اللقاء مع دورات مجالس الجهات، إلا أن جلساته قد تخللتها مشاركات نسائية لمنتخبات بأربع جهات، حاولن تقاسم تجاربهن التي بينت أن مشاركة المرأة في العمل السياسي، لا زالت تعتريها بعض الإشكالات كالمتعلقة منها بعدم قدرة بعض النساء على وضع صورهن في ملصقات لوائح الحملات الانتخابية. كما تبين من خلال تقاسم وجهات النظر أن مشاركة الشباب في الاستحقاقات الأخيرة لا زالت تعرف بدورها إشكالات قانونية وأخرى واقعية، خاصة إشكالية الأصغر سنا، والتي لا يجب أخذها على إطلاقها، عندما يتعلق الأمر بالتقدم لرئاسة المجلس. فقد تبين بأن الأمر يتطلب نوعا من التدرج في العمل السياسي، وبالتالي يجب إعادة النظر في هذه النقطة، فضلا عن التباين الواضح الذي تمخض عن الانتخابات الأخيرة بخصوص المعطى المتعلق بالسن للتقدم لرئاسة المجالس المنتخبة؛ فهل يتعلق الأمر ب 21 سنة أم 18 سنة (سن الرشد)؟
وفي هذا الصدد، فلولا التعديلات الأخيرة للنصوص القانونية المتعلقة بالانتخابات المومإ لها، خاصة على مستوى القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية (التعديل المتعلق بالكوطا أساسا)، لما كانت تمثيلية النساء والشباب في المجالس المنتخبة، وبالتبعية يمكن القول بأن الأحزاب السياسية لا زالت غير مستعدة بعد لدعم تمثيلية هذه الفئات، وهو ما تجلى من خلال ضعف المشاركة على مستوى الانتخابات التشريعية.
يمكن قياس ما ذُكر سلفا بخصوص التحديات المتعلقة بمشاركة النساء والشباب في الاستحقاقات الانتخابية، عبر ست مؤشرات مترابطة فيما بينها، ومنفصلة في آن واحد، يتعلق الأمر بما يلي:
المؤشر الأول: كيفيات مناقشة الأحزاب السياسية للنصوص المتعلقة بالانتخابات والتعديلات التي طرأت عليها؛
المؤشر الثاني: مناقشة ومشاركة النساء للتعديلات المتعلقة بهذه النصوص القانونية كان من خارج الدائرة والمؤسسة الحزبية، على اعتبار أن ممثلي الأحزاب هم من ناقشوا هذه التعديلات مع الوزارة الوصية (وزارة الداخلية). وقد كان نقاشا مكملا ومحايدا دون التطرق لتمثيلية النساء والترافع بشأنها؛
المؤشر الثالث (سوسيولوجي): من خلال انتقال النساء من حزب لحزب، والذي كان مثيرا للانتباه خلال انتخابات 8 شتبر 2021، حتى أصبحنا أمام ما يمكن تسميته بالترحال السياسي النسائي؛
المؤشر الرابع: غياب النساء في بعض المكاتب المسيرة (مثلا جماعات سيدي بنور/ خنيفرة بنسبة 0 امرأة في المكتب المسير)، وهنا تظهر أن عدم إلزامية القانون لذلك، من المؤشرات السلبية؛
المؤشر الخامس: مثلا في المكاتب المسيرة لمجلس النواب، امرأة شابة واحدة/ مجلس النواب من أصل 13 نجد امرأة واحدة؛
المؤشر السادس: العائلة الانتخابية وتأثيرها السلبي على المسار الانتخابي والمسار الحزبي والديمقراطي بالمغرب.
هذه المؤشرات التي تعد سلبية قادت المتدخلين في اللقاء لتسليط الضوء على مجموعة من المفاتيح التي بينت مكامن الخلل بشأن مشاركة النساء في الانتخابات الأخيرة، يتعلق الأمر بما يلي:
- الكوطا ونتائجها: ليست هناك مؤشرات للتخلي عنها مستقبلا. وقد تبين من حيث الشكل ارتفاع نسبة مشاركة النساء، وواقعيا عكس ذلك حيث تبين التراجع أساسا على مستوى اللوائح المحلية؛
- التمثيلية داخل الهياكل المسيرة: مثلا على مستوى مجلس المستشارين، فإن تمثيلية النساء اقتصرت على 8 في المئة في مقابل 92 في المئة للذكور/ مجالس الجهات (رئيس مجلس واحدة جهة كلميم وادنون) …، وتبقى النقطة الوحيدة المضيئة في نتائج الانتخابات الأخيرة، هي تمثيلية النساء داخل الحكومة؛
- العائلة والتوارث في المجالس المنتخبة: قد شملت الظاهرة جميع الأحزاب السياسية. وهو الأمر الذي لا يسمح بوصول نخب حقيقية لمركز القرار؛
- 4 – إلغاء فوز رئيسات مجالس منتخبة: ما ألغته المحكمة الإدارية بوجدة على إثر إعفاء رئيسة المجلس (أقل من 18 سنة)؛
- 5-إقصاء النساء من تحمل مسؤولية التدبير داخل مكاتب مجالس الجماعات: تحايل صريح على إرادة المشرع.
حول خلاصات الندوة المتصلة بالتأثير غير المباشر على نتائج الانتخابات الأخيرة:
وهي الخلاصات التي بينت أسباب احتلال الشباب للمراتب الأخيرة في الاستحقاقات الأخيرة والتي يمكن حصرها فيما يلي:
- تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشأن الانتخابي ونتائج الاستحقاق، والتي كان لها تأثيرا كبيرا على مستوى نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021؛
- إشكالية جمع اللائحة (فقط من أجل تأثيث المشهد السياسي)؛
- تأثير الفضاء الرقمي على الواقع (التناظر الرقمي)؛
- تم التركيز على أدوار جمعيات المجتمع المدني في حصد عدد كبير من الأصوات لفائدة بعض الأحزاب السياسية على اعتبار أن هذه الجمعيات تقوم بأعمال خيرية وأحيان أخرى اجتماعية. وبذلك كانت قريبة من الساكنة؛ مما جعلها تتمتع بتأثير كبير في نجاح بعض الأعضاء في الانتخابات الأخيرة.
توصيات الندوة:
- التأكيد على ضرورة تمتع المنتخبين بترسانة قانونية تأهلهم لفهم العمل الانتخابي؛ وهو ما يتطلب أجرأة المراسيم التطبيقية للقوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية، خاصة المتعلقة منها بتنظيم دورات التكوين المستمر لفائدة أعضاء مجالس الجماعات الترابية؛
- ضرورة إعمال الأحزاب السياسية للجانب المتعلق بجودة المرشحين؛ تزكية بروفيلات تتمتع ببعد النظر في التسيير والتدبير؛
- ترسيخ ثقافة المناصفة بين الشباب والنساء؛
- إيلاء المخاطر القانونية واستباقها الأهمية اللازمة، خاصة على مستوى التضارب والتعارض القانوني بين الدستور والقوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات حول السن القانوني للترشح؛
- غياب صور بعض النساء المترشحات في بعض اللوائح الانتخابية؛ مما يتطلب الاشتغال مستقبلا على البعد الثقافي للنساء والتفكير في استثمار أفضل لمضامين الفصل 19 من الدستور المغربي لسنة 2011؛
- ضرورة انتباه السلطات العمومية لبعض الانزلاقات المتمثلة في ااستخدام الأطفال والقاصرين في بعض الحملات الانتخابية.
ومهما يكن من أمر، فقد تم الخلوص إلى أن الديمقراطية لن تستقيم دون مشاركة الشباب والنساء في الاستحقاقات الانتخابية ووصولهم لمركز القرار. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال قربهم الدائم للمواطنين والمواطنات مع التمتع بالقوة والثقة بالنفس قصد التقدم للانتخابات على الرغم من التحديات سالفة الذكر. وعلى الرغم من أن بعض الأحزاب السياسية لا يبحثون للأسف في بعض الأحيان عن الكفاءات، غير أن المرأة المغربية، حسب شهادات المشاركات، قد حاولت القيام بنهج آخر متعلق بالتكوين والاحتكاك بالفعاليات المدنية والأكاديمية، حتى مكنها ذلك من التموقع في العملية السياسية، وبالتالي في العملية الانتخابية والنجاح فيها، ولعل رئاسة لجان مجلس جهة مراكش- آسفي خلال الانتداب الحالي خير دليل على ذلك، تضيف إحدى المشاركات.