تصرفات بعض ممتهني السلطة على اختلاف درجاتهم، تدعو صراحة للقلق. بالطبع هناك عوامل آنية وجب محاربتها حالا وهناك خلفيات تاريخية لا ننكرها، خلفيات تذكي عقلية بائدة يتشبت بها ضعاف النفوس مرضى الانا.
القايد في القرن التاسع عشر وما قبله كان باختصار وفي غياب نسق اداري تتبناه الدولة، كان هذا الكائن عبارة عن منظومة اساسية بين المركز والهامش، يتحمل نفقات استتباب الامن مقابل استقلال نسبي في إدارة القبائل التابعة له عوض المخزن. فتشكلت طبقة ظالمة باسم المخزن، طبقة سالبة للحريات و منظومة متسلطة على ممتلكات الناس؛ همها جمع المكوس والضرائب لفائدة عشيرتها ولصالح المخزن وقمع كل قبيلة تقوت شوكتها بتقتيل رجالاتها، سبي نسائها والسطو على مذخراتها الى حين. عقلية كهذه دامت لقرون، لا تختفي بنصوص قانونية انما بممارسة دؤوبة ويقظة لمحاربة كل تصرف مخالف لتعاليم الدستور والقوانين المؤطرة لعلاقة الحاكم بالمحكوم.
فلا التكوينات المتخصصة والمعمقة في الكليات والمعاهد ولا الارساليات الظرفية والدورية لوزارة الداخلية بعينها، كل هذا لا يمنع البعض من الجنوح لتصرفات ماكرة تضرب في الصميم اي نموذج للتنمية. عوض أن يكون رجل السلطة حلقة ثمينة في مسلسل ترسيخ الديمقراطية وحقوق الانسان يصبح اداة عرقلة لتنفيذ السياسات العمومية على الوجه الصحيح وأحيانا (ما نلاحظه اليوم) سببا رئيس لإشعال حركات احتجاجية نحن في غنى عنها. توالت بشكل لافت خروقات رجال السلطة منذ اندلاع جائحة كورونا. علما أن غالبيتهم من رجال ونساء يظلون عقلاء و محنكين في دوائرهم. لكن الأقلية التي تحلم بايام خلت، تجعلنا ندرك بكل تأكيد أن أعشاش طيور الشؤم لم تبعثر تماما، و لا زالت تخلق متاعب للدولة قبل المجتمع، وتؤجج غضب الناس على نطاق واسع. رجل السلطة في المنهاج الجديد الذي وضعه الملك منذ عشرين سنة خلت، مطالب بالقيام بدور الوساطة أكثر منها من الردع و”السلطوية”. مطالب بالقرب من الناس وليس التعالي عليهم، مطالب بتفهم هموم حياتهم اليومية والاجتهاد في ايجاد الحلول وليس قطع أرزاقهم. الطريق شائك وطويل و يفرض إعادة النظر جديا إن لم نقل جدريا في اشياء كثيرة تعكر صفو المعنى الحقيقي للمفهوم الجديد للسلطة.
منقول