مصطفى المنوزي
في مثل هذا الشهر من سنة 1973 ، أي منذ نصف قرن مضى قررت الدولة الشروع في مغربة القطاعات المالية والصناعية والفلاحية ، وهو بمثابة ترضية واستجابة توفيقية لمطلب التأميم الذي تكرس في مذكرات الكتلة الوطنية ، وفي نفس الوقت رسالة تأنيبية للحلفاء التقليديين في الخارج ، إثر شبهة تورطهم في المحاولتين الإنقلابيتين المتواليتين ( 10 يوليوز 1971 ثم 16 غشت 1972 ) ؛ فهل هي مصادفة أن نعيش اليوم وبعد خمسين سنة إنطلاق حملة ” مغربة ” التضخم العالمي ؟
إنه يبدو أنه بعد خروج مؤسستين سياديتين :بنك المغرب المركزي من جهة والمندوبية السامية للتخطيط ، برئاسة خبيرين من أصول المدرسة التقدمية والإتحادية ، وتوجيه اللوم للحكومة ، بل تحميل المسؤولية للرأس الثانية للسلطة التنفيذية ، أن إيقاف زحف الخطورة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه صار من مسؤولية الدولة بكافة مسؤوليها السياسيين ومهندسيها الأمنيين ، فهذا الأمر خرج عن سيطرة الحكومة وأصبح في مسؤولية وذمة السياسة العامة باعتبار أن السياسة المالية المؤطرة من قبل القرار الأمني ، في ظل تفاقم الخصاص الإجتماعي وفشل السياسة العمومية في التغلب على إكراهات وتداعيات حالة الطوارئ الوبائية ، فلا غرو عندما أكدنا ، في مقالات سابقة ، على أنه لا مناص من تنصيب المجلس الأعلى للأمن كمؤسسة مؤهلة لدمقرطة القرار الأمني ، في ظل غياب إقرار ضمانات عدم تكرار مآسي الماضي ، من إحتقان اجتماعي و إنفلات أمني . ولأنه لا يكفي توجيه النقد وتسجيل الإعتراض على الوضع وتحميل المسؤولية للدولة وموظفيها والسياسيين المرتبطين بمواقع صناعة القرار السياسي والأمني والقضائي حتى ؛ فإنه حان الوقت لإقرار خطة إقتصاد/ سياسية تروم عقلنة الإنفاق العمومي في المجالات غير المنتجة و الأكثر استنزافا للموارد العمومية ، ولعل الإدخار الذي توفر لبعض الفئات والشرائح جراء إحتكار الأزمات والطوارئ يستحق فرض ضرائب على هذه الفوائض ، ناهيك عن ضرورة محاربة الفساد ومساءلة الإثراء غير المشروع ، فلا يعقل تدبير السلم الإجتماعي بمقومات إقتصاد الحرب .