شارك الزميل بدر الدين الادريسي رئيس الجمعية المغربية للصحافة الرياضية في الورشة الاولى للمؤتمر الاربعين لصحفيي الضفتين المنظم بمدينة تطوان ايام 7،8،9 نونبر الجاري، تحت شعار ” اعلام الضفتين قضايا مشاركة لإنجاح مونديال 2030 ” استهلها الزميل بدر الدين بتقديم أحر التعازي للشعب الاسباني في فاجعة فالنسيا ، جاء فيها :
” أود اتقدم في البداية بالشكر لزملائي كل بصفته وموقعه داخل الجمعية المغربية للصحافة، النقابة الوطنية للصحافة المغربية فرع تطوان وجمعية صحفيي منطقة الأندلس، حاضنات هذا المؤتمر في نسخته الأربعين، والذي أسس ويؤسس لحوار الإعلام في الضفتين بزخمه المعرفي وبقضاياه المتعددة والمتشابكة التي تلامس الموروث والمشترك وبأسئلته الكبرى التي تلاحق ماضي وحاضر ومستقبل العلاقة بين بلدين جارين وبين ضفتين يتمتعان بالكثير من الخصوبة والتنوع، وهو أيضا حوار تسهم فيه الكوادر الإعلامية لتشكيل صورة واقعية لطموح وتطلعات البلدين لاستدامة التعاون.
وعندما يتم اختيار محور كأس العالم 2030 المشترك التاريخي والإستراتيجي لدولنا الثلاث، أي دور للإعلام في الإرتقاء به، فهذا من تفطن الحوار بين الضفتين لانعطافة تاريخية في بناء مقاربة جديدة لهذا المشترك الإنساني والحضاري.
وإن كانت جارتنا إسبانيا ستحظى بشرف تنظيم حدث كأس العالم لكرة القدم للمرة الثانية بعد الأولى سنة 1982، فإن المغرب والبرتغال سيحظيان بهذا الشرف لأول مرة في تاريخهما، وهو ما يجسد هذه السعادة الكبيرة التي تغمرنا جميعا كمغاربة، بأننا نجحنا بفضل ما أبديناه من صبر وجلد في ملاحقة حلم تنظيم المونديال على مدى 36 عاما، وبفضل ما قدمناه للعالم من دلائل على الوفاء بالعهود والإلتزامات، في نيل هذه الثقة، بأن تكون هذه النسخة من المونديال التي سيستضيفها المغرب بمعية جارتيه إسبانيا والبرتغال، نسخة إستثنائية وغير مسبوقة، فهي نسخة تحتفي بالمائوية الأولى للحدث الرياضي وحتى الإنساني الأكثر مشاهدة حول العالم، وهي نسخة نجمع لأول مرة بين قارتين، وبين ضفتين جرت بينهما أنهار الإبداع والخلق والإلهام الذي أثرى حقبا عديدة في تاريخ الفكر والحضارات الإنسانية.
وإن رأى الفاعلون السياسيون والإقتصاديون والإستراتيجيون، أن تنظيم كأس العالم لكرة القدم، وهو أرفع الأحداث الرياضية الكونية، قطار تنمية سيعبر بسرعة كبيرة المحطات، ومؤشرا قويا على تحولات جوهرية في بنية المجتمع، ووسيلة لإحداث طفرات نوعية في أوراش هيكلية، فإنني من زاوية الإعلامي أراه فرصة تاريخية لإعلامنا الرياضي لكي يكتسب القوة والجرأة والقدرة على تطوير بنيته المهنية، ليكون قبليا وحينيا وبعديا حلضنا لحدث المونديال مؤثرا فيه ومتأثرا به، رافعة من رافعات نجاحه وعنوانا لاستدامة إرثه الكبير.
ولأن تنظيم كأس العالم لكرة القدم هو حالة نادرة في معيش الشعوب، فإن المغرب سيحفر عميقا من أجل أن يكون لمونديال 2030 قاعدة عليها يبنى مغرب ما بعد 2030، ولذلك علاقة وطيدة بكل المناحي الحياتية التي يلامسها هذا التنظيم، ولا أعتقد أنه يستثني منها شيئا.
من هذا المنطلق، الذي يحدد كونية الحدث وضخامته، سيكون لزاما أن نحدد الرافعات ونعين أوراش الإشتغال، فعلى قدر اجتهادنا الجماعي في طبع تنظيمنا لكأس العالم بالإستثنائية والإبداع الملازمين منذ عقود من الزمن للشخصية المغربية، يمكن أن نتصور من الآن ضخامة الإرث الذي سيتركه كأس العالم، وكأني به موعد جديد يضربه التاريخ للعبقرية المغربية، لكي تعبر عن نفسها بطريقة رائعة، للبشرية جمعاء.
ولعل من أقوى رافعات التحضير المثالي لتنظيم نموذجي لكأس العالم الذي نشترك في تنظيمه، والأجدر أن نقول بأننا نتنافس في تنظيمه مع الجارتين الإيبيريتين، رافعة الإعلام، وهنا أصل للورش الحيوي والإستراتيجي الذي يحتاج إلى مقاربة نوعية، وأيضا إلى استنهاض الهمم لكي يكون الإعلام الوطني بشكل عام، بأتم جاهزية فكرية ومهنية، لا ليكون مواكبا ومتعقبا للحدث الكروي الكوني، ولكن لكي يكون دراعا من الأدرع المساهمة في إنجاح التنظيم، ولكي يكون أيضا صائنا وحافظا للإرث الذي سيتركه تنظيمنا للمونديال.
إن الإعلام الرياضي الوطني بهذا المعنى، سيكون أمام مسؤولية ثلاثية الأبعاد، فهل هو جاهز لتمثلها والإضطلاع بها بشريا ومهنيا ولوجيستيا؟
إن للإعلام ارتباطا وثيقا بكأس العالم، بل إن الإعلام بمختلف أجناسه ومع كل حلقات التطور العلمي والتكنولوجي الذي غير من صورته وأدائه، كان على مر العقود مساهما في تسريع كونية الحدث، وما كان لكأس العالم لكرة القدم أن يكون له هذه الجاذبية والجماهيرية والشعبية الجارفة، من دون الإعلام، بخاصة منه التلفزي الذي وسع جغرافية المشاهدة عبر العالم، لدرجة أن المونديال تتضاعف أرقام مشاهدته من نسخة لأخرى، وأقيم دليلا على هذا بمونديال قطر 2022 الذي حقق مشاهدة قياسية بلغت 5 ملايير حول العالم، وجنت الفيفا من بيع حقوق بثه التلفزي 2640 مليون دولار، وهو ما شكل 56 بالمائة من إجمالي المداخيل، وتلكم أرقام تؤكد أن الإعلام المرئي والمسموع عبر ابتياع قنواته لحقوق البث صار من الممولين الأساسيين للفيفا إلى جانب الرعاة والمستشهرين.
إن هذه الشراكة الإستراتيجية بين الإعلام وكرة القدم، وبين الإعلام وكأس العالم، هي ما يدفعنا اليوم بكل تجرد وموضوعية، بعيدا عن التسطيح والمزايدة، لطرح السؤال النقدي الساخن..
هل إعلامنا الرياضي الوطني جاهز مهنيا وبشريا وتقنيا لكي يضطلع بمسؤولية إنجاح تنظيمنا لكأس العالم، قبليا وحينيا وبعديا؟
هل إعلامنا الرياضي قادر بوضعه الحالي على ربح رهان المنافسة في مواكبة حدث كروي تتعبأ له كل مشارب الإعلام العالمي للتأثير فيه وللإنتفاع منه؟
إن مونديال 2030, كاستحقاق دولي، يسائلنا عن الأهلية المهنية لإعلامنا الرياضي لكي يضطلع بمهمة الدفاع عن المكسب، ثم مهمة تحقيق أفضل إشعاع ممكن للحدث، فمهمة ربح رهان المنافسة مع قوافل الإعلام العالمي التي ستفد على بلادنا لتغطية الحدثين، وبخاصة حدث كأس العالم، تقتضى وضع إستراتيجية وطنية هدفها الإرتقاء بالإعلام الرياضي الوطني لمستويات عالية جدا، تحقق أولا التكامل بين كل مفاصل الإعلام من صحافة مكتوبة إلى صحافة إلكترونية إلى صحافة سمعية وبصرية، وتحقق ثانيا الشمولية في استهداف الهياكل بالتقويم والإصلاح
وتحقق ثالثا وهذا هو الأهم الدراع والحصن الواقي للوطن والمروج العقلاني لصورة مغرب يمثل في محيطه حالة تنموية خاصة.
إن الراصد للإعلام الوطني في مكونه البشري، يستطيع أن يقدم رقما تقريبيا للمتخصصين بالإعلام الرياضي، من مهنيين ومنتسبين، وللأمانة سيكون رقما مهما، تدل عليه عدد العناوين الصادرة على الخصوص في الإعلام الإلكتروني.
إن مقاربة الكم والأهلية المهنية، تضعنا أمام حقيقة أن الإعلام الرياضي بالنظر لارتفاع نسبة متابعته في كل المنصات بات مقصدا للعشرات من المهنيين وغير المهنيين، وهو ما يفرض تحركا عاجلا لضبط المشهد الإعلامي الرياضي ومعالجة كل أشكال الإختلال.
وقد استشعرنا كإعلاميين رياضيين، داخل الجمعية المغربية للصحافة الرياضية والرابطة المغربية للصحافيين الرياضيين أهمية المرحلة الدقيقة التي يجتازها الإعلام الوطني قبل الرياضي، والفرصة التاريخية التي يتيحها تنظيم المغرب للمونديال الكوني، لكي نؤسس للزمن الجديد للإعلام الرياضي، المستوعب للتحولات الكبرى التي حدثت على مستوى أنماط التعبير، والضامن لفلسفة الإشتغال والإنتماء للمهنة والقادر بشكل إستباقي على استيعاب كل المتغيرات، فشاركنا المعهد العالي للإعلام والإتصال في تنظيم المنتدى الأول للإعلام الرياضي، عنه صدرت العديد من المخرجات، أهمها على الإطلاق الحاجة الماسة لفرض التكوين والتكوين المستمر كأداة لا محيد عنها لتجويد الإعلام الرياضي، وقد أفضى ذلك لإطلاق أول ماستر متخصص في الإعلام الرياضي داخل المعهد العالي للإعلام والإتصال.
ولا يفوتني هنا أن أشيد بالتزام كل من قطاع الإعلام في وزارة الشباب والثقافة والتواصل والمجلس الوطني للصحافة والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، بجعل الإعلام الرياضي في صلب إستراتيجية تطوير وهيكلة الإعلام، بالنظر لحجم الإنتظارات، وقد بات المغرب قبلة للتظاهرات الرياضية الكبرى.
ووعيا منها بضرورة مد الجسور بين إعلامنا الرياضي الوطني والإعلام الرياضي بشريكتينا في تنطيم مونديال 2030، إسبانيا والبرتغال، بغاية تشكيل جبهة إعلامية موحدة، تتقاسم مسؤولية إنجاح هذا الحدث الكوني، فقد دعت الجمعية المغربية للصحافة الرياضية، عند حضورها المؤتمر السادس والثمانين للإتحاد الدولي للصحافة الرياضية الذي انعقد مؤخرا بإسبانيا، كلا من الجمعية الإسبانية للصحافة الرياضية والجمعية البرتغالية للصحافة الرياضية، لجلسة عمل جرى الإتفاق خلالها على توقيع بوتوكول تفاهم وتعاون بين الجمعيات الثلاث يوم 12 شتنبر من العام الحالي.
ويهدف بروتوكول التعاون الذي تشرفت بتوقيعه من موقعي كرئيس للجمعية المغربية للصحافة الرياضية، إلى جانب زميلي خيسوس ألباريز نائب رئيس الجمعية الإسبانية للصحافة الرياضية وزميلي مانويل كيروش رئيس الجمعية البرتغالية للصحافة الرياضية، ببيت الصحافة بمدينة ذنجة إلى إحداث إطار لتعاون مشترك بين الجمعيات الثلاث، يستثمر في الإرث الكروي والحضاري والإنساني المشترك، ويوحد الجهود المهنية من أجل مواكبة المبادرات الكبرى التي يؤسس لها التنظيم المشترك لكأس العالم 2030، إلى جانب مد الجسور بين الإعلاميين الرياضيين، وبخاصة منهمالشباب في الدول الثلاث، لتقاسم التجارب المهنية واستدامة الإرث الكبير الذي سيخلفه هذا التنظيم المشترك للمونديال.
كما تجسد هذه المبادرة إيمان الجمعيات الثلاث بأن الإعلام هو من أهم رافعات نجاح الأحداث الرياضية الكبرى، ويترجم وعيها بالدور الذي يضطلع به الإعلام الرياضي على الوجه القبلي، لإضفاء طابع المثالية على تنظيم المغرب وإسبانيا والبرتغال لنهائيات كأس العالم 2030، كحدث استثنائي وغير مسبوق في تاريخ هذه التظاهرة الرياضية الكونية.
ومن أهم أهداف هذا البروتوكول:
أولا: إنشاء لجنة مشتركة مكونة من عضوين من كل اتحاد، من أجل تنسيق عمل الصحفيين من الدول الثلاث والترويج لكأس العالم 2030.
ثانيا: رفع مستوى الوعي لدى الصحفيين من الدول الثلاث بأهمية كأس العالم والإرث الإعلامي الذي سيتركه.
ثالثا: تسهيل عمل الصحفيين، وخاصة الصحفيين من البلدان المضيفة، قبل وأثناء كأس العالم 2030.
رابعا: تبادل وتقاسم المعرفة والمعلومات، مع التركيز على إعداد الصحفيين الشباب لهذا الحدث الكروي الكبير.
إن غاية كل هذه الورشات الحوارية، وضع الأرضية والمناخ الصحيين لصحافة رياضية مهنية، وطنية وجهوية، صحافة رياضية ذات جدية ومصداقية، صحافة رياضية مواطنة ذات جودة عالية، انتصارا لمصالح الوطن واستثمارا في إستضافة بلادنا التاريخية للمونديال.
إن نجاح هذا التحول المنشود في بنية ومحتوى الإعلام الرياضي بكل أجناسه، لجعل الصروح الإعلامية الوطنية تقف منيعة وقوية في وجه إعصار المنافسة، يحتاج فوق هذا وذاك إلى إستراتيجية وطنية تضخ ما يكفي من الإستثمارات المالية لهيكلة القطاع، وتمكين المغرب من قنوات إعلامية مؤثرة وذات جاذبية عالية، بجودة محتواها وبمهنية المشتغلين بداخلها، وللشروع حالا في تكوين جيل الإعلاميين القادرين على التأثير في الحدث المونديالي والتأثر به.
والله المستعان..