إدريس الأندلسي
ستظل أحزاب الإدارة كما هي و كما ولدت و ترعرعت عبر رضاعة في حاضنات صنعت خصيصا لحفظها من اكتساب مناعة عبر استنشاق هواء و أرض الوطن. هزلت و هانت و أصبحت تثير زهد العارفين حتى صارت مدعاة للاشمئزاز . انحدرت حين أطلق حزب، من أغلبية هذا الزمن الضائع ، ما تم صنعه من أشباه أطر قيل أنها سياسية، في ميدان زمن التفاهة. تفتقت عملية حزبية مسنودة بالمال و الحضور التجاري و اقتصاد الريع عن إبداع في خلق أصوات نشاز تطيع الزعيم ولي نعمتها. أصبحت هذه الأصوات تلعب أدوارا في مخاطبة نواب الأمة بشكل عنيف و مغرق في تجاوز سرعة النطق بأكبر عدد من كلمات تنم عن ضعف تعبير سياسي و امعان في الاستهزاء بتاريخ بناء مؤسسات البلاد. نسوا أنهم ولدوا برعاية إدارية و أن توجيهات وجهت لهم ليظلوا أوفياء للتوجيه. لم يسجل حضورهم و حضور زعماءهم مبادرة واحدة من أجل الدفاع عن الديمقراطية عبر النضال من أجل تغيير الدستور. و ظلوا و امسوا و أصبحوا متمسكين بحبل الوفاء للتوجيهات. ظل همهم مواجهة كل مطالب بالتغيير و بالديمقراطية الحقة.
قال لهم زعيمهم ” وريوني حنة أيديكم ” فأصابهم الهبل في مخ لم يصل بعد إلى مرحلة التمييز بين الدولة و بين فهم ثقل الكلام الذي ينطق به وزير في حكومة مغربية. ظنوا أن الإسهال الخطابي سيلقى قبولا لدى مواطنين يعانون من نيران أسعار يستفيد منها من يسيطر على القرار الإقتصادي، و من يعتلي منصات تدبير الشأن العام. اصيبوا بذهول أمام ترخيص للكلام، فكسروا كل الأبواب المؤدية إلى صنع الاطر السياسية و الكفيلة ببروز رجال الدولة. و حين قيل لهم أن شبكة المصالح تحتم عليكم منع فرض ضريبة بنسبة 40% على شركات تستورد البترول المصنع بأرخص الأسعار، أصابهم السعار. هنيئا لمستوردي المحروقات و العسل و الأدوية برعاية الحكومة لمصالحهم. أما فقراء هذا الوطن، فلهم في الصبر و قبول الأمر الواقع الملاذ إلى أن يأتي ألله بأمر كان معلوما.
انتفخت اوداجهم و شعروا بثقل التكليف ” السياسي” أو لنقل ” التكليف الحزبي ” المدافع عن ربحية كبيرة ” لأصحاب المصالح الكبرى . نطقوا، بإسهال غير متحكم فيه، بعبارات خلطت التاريخ بالكذب على الأموات و الأحياء. و اخفقت في إيجاد سبب واحد لتفسير عدم التحكم في التضخم المريع و البطالة المروعة و الفقر الذي تتسع مساحته في المجتمع. و ماذا يمكن أن ننتظر من حزب صنعته الإدارة و دعم سخي و مكلف من وزارة الداخلية في زمن الراحل إدريس البصري.
و شاء الزمن السياساوي أن تتم إعادة إنتاج كائنات تريد أن تتوفق على حساب مواطن. أصبح التعتيم على أساليب الاغتناء من متطلبات الوصول إلى مراكز القرار. وصل الأمر إلى تحويل الخطاب السياساوي إلى تحريم التنديد بالاغتناء غير المشروع. و قال وزير، قيل انه سليل قيم يسارية ، و قيل أنه كان من العاملين بمكتب محام و مناضل راحل كان زاهدا و مستقيما، ما لم يقله عتاة التحكم من ” عمداء و جينيرالات ” في اليونان و إسبانيا و الشيلي. تغيرت عبارات الكلام عن الديمقراطية لأن إطعام بعض اليساريين بالفضلات كان كفيلا بتسليعهم.
و وصلت نتائج هذا الاطعام إلى مستوى تبنيها كأسلوب لتشجيع انخراط شباب في معركة حزبية لم يفهموا عمقها و أسبابها و جنوحها إلى تبني رغبة في التغلغل في معترك السياسة. و سيظل السؤال الكبير في الربط بين حزب يقود الحكومة و منطقة سوس. و سيظل السؤال الأكبر يسكن البحث عن علاقة حزب بجهة و بشركات و بثقافة تكاد تنفي علاقة ” سوس العالمة” بالمغرب من أقصاه إلى أقصاه. يخاف كل عاقل على ربط التوازنات الإجتماعية و السياسة بمصير حزب تم إتخاذ قرار تكوينه في زمن منظومة فشلت في إعادة إنتاج جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية غير المأسوف عن اندثارها. تم إستعمال المال و السلطة و حال الحال في العالم القروي دون كل مبادرة تستهدف تغيير مسار التنمية .
و نجد مغربنا في يومنا هذا بين أيادي من يريدون إقناع المواطنين أن التغيير المجتمعي تحصيل حاصل. شعر المغاربة، الواعون بأهمية قضية الدفاع عن مصالحهم، بأن الأمر أصبح بين أيدي من يتقنون مراكمة الثروات و صنع القرار المالي و الإجتماعي و الإقتصادي. ” نعم أنا مهبول أنا ” بقوة لوبيات العقار و البترول و البورصة و التجارة و الإتصالات و الأبناك. و يمكن الإعتراف بقوة خطاب القمع الذي طوره حزب حكومة لا تضمن لمكوناتها عدم السقوط في مطبات سبق لحزب بن كيران أن كان ضحيتها.
و هكذا تفرج المغاربة على البراعة الخطابية المصطنعة، و ليس السياسية، التي طبعت من كلفهم، رئيسهم ومشغلهم بالهجوم على من سولت له نفسه طرح سؤال ربط الخطاب بالنتائج و تقييم السياسات العمومية. ينطقون بقوة منطلقة، مثل الإسهال، لتبرير كل الفشل السياسي الذي حصل. و يظل السؤال عن نجاعة سياسية كبرى انيط تطبيقها بعزيزهم قبل أن يصبح رئيسا للحكومة ، مهما و إستراتيجيا. تهاوت كثير من مكونات الطبقات الوسطى إلى الحضيض. من السبب يا قادة الحكومة التي لا تسبح إلا بإسم حلول يصنعها الخبراء. و ” راني مهبول ” ..دفعت بالزعيم، المثقف جدا، إلى تغليب المصلحة الشخصية على انتقاء شخوص يمكن أن يخلقوا جو نقاش هادى و قراءة مواطنة لواقع توزيع ثروات البلاد بين العباد. و يجب تكرار قول الحقائق في زمن جهل البعض بتاريخ تضحيات الأحزاب الوطنية و حتى حركات اليسار المعارضة لأسلوب التدبير السياسي للبلاد منذ الستينات. و هنا يجب تذكير زعماء هذا الزمن بأن احزابهم، ذات الجذور الإدارية ، لم تتقدم يوما على المطالبة بتعديل الدستور أو بتقوية دور البرلمان. ضحى الكثير من مناضلي الأحزاب الوطنية بحريتهم من أجل موقف مبدئي. دخلت قيادة الإتحاد الاشتراكي إلى السجون و قبله قيادات الإتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد التعبير عن رفض لقرارات و سياسات. ظل زعماء حزب الاستقلال تحت ضغط كبير جراء انخراطهم في مشروع تغيير قواعد دستورية لا تخدم بناء نظام ديمقراطي. تعرض حزب رفاق علي يعته إلى كثير من الهجمات التي اجبرته على تغيير تسميته من الحزب الشيوعي إلى حزب التحرر و الاشتراكية قبل أن يصل إلى قبوله كحزب إسمه حزب التقدم و الاشتراكية. و هذا ما يميز الأصل عن الصورة و الشكل عن المضمون. فشلت كل أحزاب جبهة ” الدفاع عن المؤسسات الدستورية ” كما فشلت كل مكونات صناعة الأحزاب الإدارية إلى يومنا هذا.
يا شباب أحزاب الإدارة، وجب عليكم قراءة تاريخ بلدكم و الإستفادة ممن سبقوكم إلى معترك السياسة. اعلموا جيدا أن احزابكم تصنع في المكاتب و تموت في الشوارع. أوصلت اللعبة بعضكم إلى جلوس على الكراسي و توارى كثير ممن سبقوكم، في حزبكم، عن الأنظار بعد إنتهاء تاريخ صلاحيتهم. لكل ما سبق، وجب فهم الماضي لفهم المسار و أسباب تراجع المؤسسات السياسية الاءيلة للسقوط و لو بعد حين. أين كنتم خلال أحداث 20 فبراير قبل أكثر من 13 سنة. لا تكونوا ” مهبول أنا ” لأن الزمن السياسي يزلزل من لا يقف على أرضية صلبة. مناضلو الأحزاب الوطنية، الذين ظلوا مؤمنين بقيم الوطن راكموا التجارب النضالية و لم يراكموا العقار و الأموال التي راكمتم في زمن قياسي. و اعلموا أن المواطنين يعلمون علم اليقين من كان ذا عمل صالح و قلب سليم و من كان صديق شيطان الاغتناء السريع غير المشروع. غدا سينظم قادة اليوم هروبا و يصنعوا تبريرات للإفلات من المحاسبة. و لكن المحاسبة آتية لا ريب فيها.