وقع الرئيس الامريكي على اضخم برنامج في التاريخ لاخراج الاقتصاد الامريكي من الازمة المترتبة على كورونا، يخصص له غلاف مالي يصل الى ترليون وتسعمائة مليار دولار (1.900 مليار دولار)،. يوزع بنسبة عالية على الولايات و للتعليم والصحة و البنيات التحتية و توزيع دخل شهري مقدر ب 1400 دولار على ذوي الدخل المحدود و التكفل باكرية المواطنين الذين عجزوا عن ادائها بسبب الجائحة وايضا باستحقاقات قروض السكن الرئيسي غير المؤداة لنفس السبب من طرف فئات عريضة من المواطنين….الخ، وذلك بموازاة مع اقرار حزمة اجراءات ضريبيبية لفائدة المداخيل الدنيا والوسطى.
هذا البرنامج قد لا يقدر اهميته القصوى والمتغيرات التي ستترتب عليه امريكيا وعالميا بالنسبة لغير المتتبعين للشان الاقتصادي، لكن من المؤكد انه سيكون له اكبر الاثر على الصعيد العالمي وسيفرض على الجميع تغييرات في السياسات الاقتصادية وبشكل يفتح الباب لمنعرج حقيقي شبيه بذلك الذي تلا اعتماد “نيو ديل” لمواجهة تداعيات ازمة 1929. ذلك ان البرنامج يمثل قطيعة مع النيوليبرالية وانتصارا للكينزية الجديدة، التي تمثلها كاتبة الدولة في الخزينة جانيت يلين، التي شغلت من قبل منصب رئيسة الاحتياطي الفيدرالي الامريكي (البنك المركزي) و كانت باحثة اقتصادية تقدمية يعترف لها الجميع بكونها كانت سباقة الى توقع ازمة الرهون العقارية (سوبرايم) التي انفجرت في سنتي 2007-2008 وتحولت الى ازمة عالمية التي فات باقي الاقتصاديين توقعها، بحيث يعود الدور الاساسي للميزانية في تفاعل مع السياسة النقدية المرنة في تحريك عجلة الاقتصاد بافق التشغيل الشامل وتوزيع المداخيل والتحسين العام لمستوى المعيشة و تقليص الفوارق الاجتماعية.
ذلك ان البرنامج، الذي تمكن بايدن من تمريره في بداية ولايته متجاوزا معارضة المحافظين، يراهن على ضخ هذا الكم الهائل من الاموال المتاتية من الميزانية الفيدرالية في الاقتصاد يراهن على استمرار الاحتياطي الفيدرالي في شراء مختلف السندات واعدة التمويل جريا على النهج الذي اتبعته جانيت يلين لما كانت في رئاسة هذه المؤسسة وايضا على اعتماد معدل فائدة مديري شبه سالب، وهو ما اكد الرئيس الحالي للمؤسسة باول التزامه به في المدى المنظور وما دام الاقتصاد في حاجة الى ذلك، و ذلك دون توجس من اثار تضخمية، اذ نفت جانيت يلين ان ينتج هذا للبرنامج مفعولا تضخميا، ومن المؤكد انها تستند الى نتائج السياسة النقدية التيسيرية التي اتبعت لمواجهة تداعيات ازمة الرهون العقارية ووضعت حدا نهائيا لما تبقى من اثار المدرسة النقدوية التي فرضت نفسها في ثمانينات القرن الماضي وحصرت دور الابناك المركزية والسياسات النقدية التي اتبعتها في استهداف التضخم، وبالخصوص عبر معدل الفائدة كهدف وسيط، بحيث يعود الاحتياطي الفيدرالي الى الدور المنوط به مند بداية القرن العشرين في دعم النمو والتنمية الذي استمر الى نهاية سبعينات نفس القرن، ليتوقف بعد تولي المحافظ فولكر لرئاسة هذه المؤسسة واقرار استقلالها، و تعود الميزانية الى لعب الدور الذي لعبته مند ثلاثينات نفس القرن، وبالاخص خلال ماعرف بالثلاثين سنة المجيدة.
لكن ذلك لايعني باي حال من الاحوال ان البرنامج ينطوي على احلال الدولة محل القطاع الخاص، اذ تتجه ادارة بايدن الى توجيه شراءات الادارة الفيدرالية الى الشركات الامريكية تفعيلا للافضلية الوطنية، وهو ما الح عليه الرئيس الجديد، مع ما يعنيه ذلك من تفعيل قانون تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة Small Business Act الصادر سنة 1953 الذي لعب دورا مهما في توسع الفئات الوسطى في الولايات المتحدة خلال السنوات الثلاثين المجيدة و ساهم في نشوء وتطور مقاولات امريكية شهيرة اليوم، و ستساهم السياسة النقدية التيسيرية من دون شك في ذلك التفعيل عبر شراء سندات الدين واعادة التمويل وتوفير السيولة الكافية، اخذا بعين الاعتبار ان للابناك الامريكية تجربة خاصة في العلاقة مع المقاولات الصغرى والمتوسطة تبتعد عن التجربة المتبعة من طرف الابناك المغربية ذات الطبيعة التعجيزية والمدمرة لكل من لا يتوفر على الضمانات العينية او للنفوذ وتبتعد شركات التامين هناك، التي تم فصلها عن الابناك بعدتفجر فضائح في ظل ازمة 1929 لا تختلف عن تلك التي تتفجر هنا و لا توجد هيئة تقنين حقيقية ومستقلة تنظر فيها ما دامت هذه الشركات فوق القانون والدستور و المنافسة والقواعد المتعارف عليها عالميا.
البرنامج الامريكي يفتح افقا ايضا لا عادة النظر في مسالة الدين العمومي، الداخلي والخارجي على حد سواء، و في تدبيره، اذ ان ما يروج بغباء عن نسبته الى الناتج الداخلي لبلد ما لا معنى له ما دام لا يفيد شيئا والا لكانت اليابان التي يقال ان دينها يتجاوز 220% من ناتجها الداخلي الخام في حالة توقف عن الاداء وحتى انهيار تام، والحال ان اليابان تبقى في موقع متقدم في خريطة الاقتصاد العالمي. وهذا موضوع يتطلب وقفة خاصةنظرا لتشعبه.