محمد نجيب كومينة
َالبلاغ الصادر اليوم عن الاجتماع الدوري لمجلس بنك المغرب، السلطة التقريرية فيما يتعلق بالسياسة النقدية، يثير علامات استفهام كبيرة. ذلك انه يعكس درجة غير مسبوقة من اللايقين l’incertitude و الاضطراب.
ان قراءة متانية لفقرات البلاغ تؤكد انه مشحون بالتوتر، بل ويخترقه تناقض يبين ان الموديل la modélisation المعتمد من طرف البنك المركزي لم يعد يسعف في تحليل معطيات غير المعطيات التي كانت تسمح بتوقع تطور التضخم خلال الفترة التي تنبني عليها قرارات هذه المؤسسة بين اجتماع فصلي واخر لمجلسها التقريري.
رفع معدل الفائدة الاساسي، او المديري الذي تقترض الابناك التجارية من بنك المغرب على اساسه، بنصف نقطة اضافية ليصل الى 3%، اي بزيادة نقطة ونصف خلال االاجتماعات الثلاثة الاخيرة، يطرح في الواقع سؤال جدواه في محاربة التضخم، اذ ان معدل التضخم زاد بوتيرة سريعة خلال الستة اشهر الماضية، و غلاء قروض الابناك، التي سارعت الى تطبيق فوائد مرتفعة على الزبناء المقترضين على عكس ما يحدث في بلدان اخرى حيث تنعكس زيادة معدل الفائدة المديري بعد سنة واكثر احيانا، من شانه ان يكون ذا مفعول تضخمي بالنظر الى انه لن يثني المقاولين مثلا عن الاقتراض لتغطية حاجيات خزائنها Trésorerie التي لا تترك لها اختيارا اخر في بلد نعرف جيدا ان مقاولاته تعتمد بدرجة كبيرة واساسية على الوساطة البنكية، و في مقدمتها المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل نسبة تزيد عن 90% من نسيجنا المقاولاتي، و بالنظر ايضا الى كون الابناك المغربية تعرف عجزا في السيولة، اكده بلاغ المجلس، وليس تخمة كما هو الشان في بلدان ومجموعات جهوية اخرى اطلقت فيما سبق يدها فيما يتعلق بالاصدار النقدي و انخفضت فيها الفوائد لتبلغ معدلات سالبة، ولا تواجه فجوة تمويلية Gap de financement في حجم مايواجهه الاقتصاد المغربي و ما يعتبر مشكلة اساسية حالا وفي المستقبل.
و بالاضافة الى التوتر والتناقض المومى اليهما اعلاه، فان سياسة نقذية، تتبع النهج الذي سار عليه الغير بالدفع بمعدل الفائدة الى الارتفاع دون مراعاة فارق اثر السياسة النقذية و تفاوته بحسب الوضعيات، من شانها ان تلحق ضررا بليغا بالاقتصاد بجره الى الانكماش، مع العلم ان نمو اقتصادنا يبقى ضعيفا و يعود الى المتوسط التاريخي الهابط، و يناقض بشكل كبير توجه ميزانية الدولة، بل و يسير في اتجاه مضاد له، اذ تفقد السياسة القائمة عليها المضادة للدورة الاقتصادية contracyclique مفعولها بشكل جدري، و تجعل تمويل الخزينة العامة في سوق الدين الداخلية، الضرورية، مرتفعا مما يترتب عنه ارتفاع كلفة الدين العمومي. ولعل هذا التناقض بين السياسة النقذية وسياسة الميزانية من المعطيات الصادمة التي تفسر التوتر في بلاغ مجلس بنك المغرب والتي حالت ربما دون عقد والي بنك المغرب لندوته الصحفية مباشرة بعد اجتماع المجلس، خصوصا وان هناك عدد من الاسئلة التي كان مفروضا ان تطرح عليه، ومنها تلك المتعلقة بالتعاقد الجديد مع صندوق النقد الدولي حول قرض مرن prêt modulable ينتظر ان يبث فيه قريبا، ويقال بان هذا القرض الذي يعوض خط السيولة والوقاية LPL غير مرتبط بشروط.
لابد من الاشارة الى ان التوقعات التي اعتمدها مجلس بنك المغرب، حسب بلاغه، تبقى كلها بين قوسين، ليس لان منهج التوقع فقد مكانه و صار مدرسيا وحسب، بل لان اللايقين الطاغي اليوم بسبب تحولات عالمية يطبعها الغموض، بما فيها الجيوسياسية، يجعل اي توقع مجرد تخمين لا يختلف عن تخمين رجل الشارع غير المدعي لامتلاك ادوات وموديلات لبلورة توقعات.